للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فمن هما الأبوان اللذان جاءت نصوص الشرع بالبر والطاعة لهما؟ وأي حق أو قدرٍ للوالدين اللذينِ أمر الله بالإحسان إليهما؟

هما أمك التي حملتك في أحشائها وهنًا على وهن، حملتك كرهًا ووضعتك كرهًا، ولا يزيدها نموَّك إلا ثقلاً وضعفًا ... غذَّتك بصحتها، تجوع هي لتشبع أنت، وتسهر لتنام أنت، ومع ذلك فأنت في فؤادها يقظان دائمًا، صغيرًا كنت أم كبيرًا، تتخذ من حجرها لك بيتًا، ومن يديها مركبًا، طالما أماطت عنك الأذى، ولم تضق بك ذرعًا، هي أم الصبر، وحبل الشوق، وعنوان التضحية ورمز الحنين، ومرفأ السلوى والشكوى ...

وأبوك يكد لك ويسعى، يجوب الفيافي والقفار، ويتحمل الأخطار بحثًا عن لقمة عيشك، يدفع عنك صنوف الأذى، ويتعهدك بالحنان والتربية، أنت له مجبنة مبخلة، وأنت محل تفكيره، وبك غالب همومه، هو الخادم المجهول، والمكافح المغمور، وربما اخترمته ريب المنون، وهو في رحلة الجهاد للبنين والبنات، ..

هذان الأبوان هما اللذان قال الله بيانهما: {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلاَ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} (١). وأمرنا بالشكر له ولهما: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ} (٢).

هما اللذان جاءت الوصية الإلهية بالإحسان إليهما: {وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَاناً} (٣)، بل أمر بمصاحبتهما بالظروف في الدنيا، وإن كانا كافرين: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلى أَن تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفاً} (٤).


(١) سورة النساء، الآية: ٣٦.
(٢) سورة لقمان، الآية: ١٤.
(٣) سورة العنكبوت، الآية: ٨.
(٤) سورة لقمان، الآية: ١٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>