وليس بغائب عن ذهنك- يا أخا الإسلام- أن قليل المزاح مشروع، بل هو سنة من سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم لكن بقدر وبضوابط الشرع. فالصدق شرط للمزاح، والعفة هي الأخرى قيد في المزاح فمن الناس من يبيح لنفسه- حال المزاح- فعل المحرم إما بقول أو فعل، وكل ذلك لا يجوز شرعًا، ولا يسوِّغه كون صاحبه مازحًا.
والرسول صلى الله عليه وسلم كان يمزح أحيانًا ويداعب الآخرين، لكنه لا يقول ولا يفعل إلا الحق، وربما هدف من مزاحه إلى إدخال السرور على من يمازح، وأحيانًا يهدف من مزاحه إلى الدعوة للإسلام والترغيب في الإيمان، وهاك نموذجًا يؤكد ما أقول:
فقد روى الطبراني في الكبير بسند رجاله ثقات: أن خوات بن جبير الأنصاري رضي الله عنه كان جالسًا إلى نسوة من بني كعب بطريق مكة، طلع عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا أبا عبد الله مالك مع النسوة؟ فقال: يفتلن ضفيرًا لجما لي شرود، قال فمضى رسول الله صلى الله عليه وسلم لحاجته، ثم عاد، فقال: يا أبا عبد الله: أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟ قال: فسكتُّ واستحييت، وكنت بعد ذلك أتفرر منه كلما رأيته حياءً منه، حتى قدمت المدينة، فرآني يومًا في المسجد أصلي، فجلس إليّ فطولت فقال: لا تطول فإني أنتظرك، فلما سلمت قال: يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟ قال: فسكت واستحييت فقام، وكنت بعد ذلك أتفرر منه حتى لحقني يومًا وهو على حمار- وقد جعل رجليه في شقّ واحد فقال: يا أبا عبد الله أما ترك ذلك الجمل الشراد بعد؟
فقلت: والذي بعثك بالحق ما شرد منذ أسلمت فقال: الله أكبر الله أكبر، اللهم اهد أبا عبد الله، قال: فحسن إسلامه وهداه الله» (١).