للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إخوة الإسلام، من سبر أحوال المسلمين اليوم وجد تغليبًا لجانب الرجاء على الخوف، ووجد معه فهمًا خاطئًا للرجاء، وانحرافًا عظيمًا أو يسيرًا عن مفهوم السلف لحقيقة الرجاء، وتأويلاً متعسفًا لبعض نصوص القرآن والسنة التي أبانت عن سعة رحمة الله، ومغفرة الذنوب.

وحتى تتضح الصورة أضرب لكم نماذج هذه المفاهيم الخاطئة.

فبعض الناس لا يشهدون الصلاة إلا من الجمعة إلى الجمعة، ويظن أنهما مكفرات لما بينهما، أو يتعبَّد من رمضان إلى رمضان، ويسيء فيما بينهما، بل وينقطع عمّا سواهما، ويفهم النص فهمًا خاطئًا: (من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِر له ما تقدم من ذنبه) وكاغترار بعضهم بالاعتماد على صوم يوم عاشوراء أو يوم عرفة حتى يقول هذا المغترُّ: صوم يوم عاشوراء يكُفِّر ذنوب العام كلَّها، ويبقى صوم عرفة زيادةً في الأجر.

يقول الإمام ابن القيم، رحمه الله: (ولم يدر هذا المغتر أن صوم رمضان والصلوات الخمس أعظم وأجل من صيام يوم عرفة ويوم عاشوراء، وهي إنما تكفِّر ما بينهما إذا اجُتنِبت الكبائر، فرمضان إلى رمضان، والجمعة إلى الجمعة، لا يقويان على تكفير الصغائر إلا مع انضمام ترك الكبائر إليها، فيقوى مجموع الأمرين على تكفير الصغائر) (١).

إخوة الإسلام، وكذلك يتضح لكم أن القضية ليست تغليبًا لجانب الرجاء على جانب الخوف، فهذه مع ما فيها من تأثير على جانب الخوف من الله، واختلال للميزان الحق، فالمصيبة أعظم حين تكون إخلالاً لمفهوم الرجاء نفسه، ويظهر أن مفهومنا للرجاء يختلف عن مفهوم السلف له، فنحن كلما غلبتنا


(١) الداء والدواء/ ٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>