للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

دينار؟ قال: لا، قال فسورة هود؟ قال: لا، قال فسورة يوسف؟ قال: لا، فعدد عليه سورًا، ثم قال: فمعك قيمة مائةِ ألف دينار، وأنت تشكو، فأصبح وقد سري عنه (١).

أجل لقد كان العارفون يشكرون الله على كلِّ نعمة وهبهم الله إياها.

وهذا الإمام المزني- تلميذ الشافعي- يرحمهما الله، كان مجابَ الدعوة، وذا زهد وتأله، أخذ عنه خلق من العلماء، وبه انتشر مذهب الإمام الشافعي في الآفاق، وألف مختصرًا في الفقه امتلأت البلادُ به، حتى قيل: كانت البكرُ يكون في جهازها نسخةٌ من مختصر المزني، هذا الإمامُ بلغ من شكره كما قال الذهبي: إنه كان إذا فرغ من تبييضِ مسألة، وأودعها مختصره صلى لله ركعتين (٢).

أيها المسلمون! وإذا زادتكم سيرُ الشاكرين شكرًا، فإن نهاية الجاحدين للنعم تنهاكم وتخوفكم من الكفرِ بالنعم، وقصصُ القرآنِ للذكرى والعبر، لا لمجرد السلوةِ والنظر، وهاكم نموذجين لعدم الشكر وعاقبةِ الجحود في القرآن، يمثل الأول (سبأ) الذين كانوا في نعمةِ وغبطة، وعيش هنيء رغيد، بلادهم رخيَّة، وأماكنهم آمنة، وقراهم بالخيرات متواصلة، حتى أن مسافرهم لا يحتاج لحملِ زادٍ ولا ماء بل يجد ذلك أنَّى نزل، ويقيل في قرية ويبيت في أخرى، فلما أعرضوا ولم يشكروا أنزل الله بهم بأسه، وخرب ديارهم، وفرق جمعهم وجعلهم أحاديث للناس، حتى أن العربَ لتقول في القوم إذا تفرقوا (تفرقوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ، وتفرقوا شهر مذر).


(١) الإحياء ص ٢٢٧٦.
(٢) سير أعلام النبلاء ١٢/ ٤٩٣، ٤٩٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>