للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

هؤلاء الأخيار، فهي تكشف عن جلدهم وطول مكثهم في تلاوته وتدبره، كيف لا والمشغول بالقرآن يُعطى أفضل ما يُعطى السائلون، ففي الحديث القدسي يقول الربُّ تبارك وتعالى: «من شغله القرآن وذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين» (١).

عباد الله وقيمة التلاوة للقرآن بتدبره والتأثر به، وإنما أنزل القرآن ليتدبر ويعمل به، قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِّيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} (٢).

قال البقاعي- يرحمه الله- في تفسير هذه الآية، أي لينظروا في عواقب كلِّ آية وما تؤدي إليه، وما توصل إليه من المعاني الباطنة التي أشعر بها طول التأمل في الظاهر، فمن رضي بالاقتصار على حفظ حروفه كان كمن له لقحة درور لا يحلبها، ومهرة نتوجٌ لا يستولدها، وكان جديرًا بأن يضيع حدوده فيخسر خسرانًا مبينًا» (٣).

وفي قوله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (٤)، وقوله {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلاَفًا كَثِيرًا} (٥). قال القرطبي: دلت هذه الآيات على وجوب التدبر في القرآن ليعرف معناه (٦).

أيها المسلمون: إذا كانت قلةُ التدبر ظاهرةً فاشية فينا، فإنما أتينا من غفلتنا


(١) رواه الترمذي، (القرطبي ١/ ٤).
(٢) سورة ص، آية: ٢٩.
(٣) نظم الدرر في تناسب الآيات والسور، البقاعي ١٦/ ٣٣٧٥.
(٤) سورة محمد، آية: ٢٤.
(٥) سورة النساء، أية: ٨٢.
(٦) تفسير القرطبي ٥/ ٢٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>