للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وتكون تلك هي المقصودة، ولكن كيف أَبَنْتَ تلك المحاورة الموسوية، ولم تُبيِّنْ محاورة السحرة مع فرعون؟ فالمحاورة الأولى قد استبان بها نظام هذه الدنيا، فهل من سبيل إلى أن تستبين الثانية بطريق مشوق جميل، حتى نرى نظام الآخرة، بهيئة تسر القلب وتشرح الصدر، كما انشرحت صدورنا ببيان المحاورة الأولى، وجمال نظام العالم الذي نعيش فيه؟ ) (١)، وإزاء هذه الرغبة، يأخذ الشيخ في بيان ما طلبه صديقه العالم السائل، فيأتي على عادته بالطريف والعجيب في المعارف، والحكم والعلوم.

وها هو ذا يقول في سورة الأنبياء، عند تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ} [الأنبياء: ١٠٥].

(اعلم أن الله عز وجل، لا يضع شيئًا في غير موضعه، فبالحكمة قامت السماوات والأرض، وجعل صلاح كل شيء بحسبه، فلصلاح الملك أربعة شروط هي:

١ - أن يكون القادة علماء حكماء مفكرين، فهم يكونون أشبه بالعقل في الدماغ.

٢ - وأن يكون للأمة جيش منظم يقوده ضباطه، على شريطة أن يخضع لأولئك العقلاء، وهذا أشبه بالقوة الدموية في جسم الإنسان.

٣ - أن يكون الفلاحون والعمال والصناع قائمين بأعمالهم مطيعين للفريقين.

٤ - أن تنظم هذه الطوائف الثلاثة، بحيث تقسم جميع أعمال الدولة عليهم، هذا هو الصلاح الذي ذكره الله هنا للملك في الأرض).

وهنا نجد الشيخ يستعين بموقف المحاورة، ليزيد الموضوع إيضاحًا: (قال لي قائل لما سمع هذا المعنى: أيها الأستاذ، هل الله قال ذلك؟ فو الله إنك لتطرق المعاني من تلقاء نفسك، ووالله ما في كتاب الله شيء من هذا، فقلت له: (لا


(١) الجواهر جـ ١٠ ص ١٢٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>