الاجتهاد بين الأئمة رضوان الله عليهم، وهكذا أفادت أن العفو عن بعض الدم موجب بسقوط القصاص وللولي المطالبة بالدية، وعلى القاتل دفعها، وعلى ولي الدم، اتباع بالمعروف ومطالبة بلا عنف، وعلى القاتل وعائلته أداء إليه بإحسان، ولا جرم أن هذا تخفيف على الأمة ورحمة بها، وفتح باب للمسامحة والمساهلة، فلو قتل ولي الدم، القاتل بعد أن أخذ الدية فله عذاب أليم، في الدنيا بالقتل وفي الآخرة بالنار، إن القصاص حياة وإبقاء للأجسام والأرواح.
ألا ترى أن الاضطراب ما ولج في أمة إلا أنزلها من شاهق، وأحل بها العذاب الهون، عامًا لكل من دنت وفاته، وحضرت منيته، وجاءت ساعته، فقال: المقصد الثاك: {كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا}[البقرة: ١٨٠].
وبهذا ندرك أن الشيخ يذكر، ما لا بد من فهمه في التفسير، كما أنه لم يهمل آراء الفقهاء والأئمة، وهذا نجده في جميع آيات الأحكام، كآية تحريم الميتة والدم ولحم الخنزير، وآية الصوم وآية الوصية، وغيرهما، كما أنه يبين ما بين الآيات من صلة وربط كما رأينا في هذا المثال، إلا أنه يتشعب كثيرًا عند ذكر لطائفه.
أما المثال الثاني المكي، فهو من سورة هود، عند تفسير قوله تعالى {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْهَا قَائِمٌ وَحَصِيدٌ}[هود: ١٠٠]
يقول: (قال تعالى {ذَلِكَ} النبأ مبتدأ خبره {مِنْ أَنْبَاءِ الْقُرَى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ} خبر بعد خبر، {قَائِمٌ وَحَصِيدٌ} أي بعضها باق وبعضها عافى الأثر، كالزرع القائم على ساق والذي حصد، وهذه الجملة مستأنفة.
{وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ} بإهلاكنا إياهم، {وَلَكِنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ} بارتكاب ما به أهلكوا، وذلك لما جبلت نفوسهم عليه من النقص، الذي هو نتائج أسباب خافية وظاهرة، في هذا العالم الذي فطر على الخير والشر، ولكن الشر جاء عرضًا، ولا يترك الخير الكثير، للشر القليل ككفل هؤلاء، فلا بد من نفاذ أمرنا، لأن تلك هي حقائق الوجود الثابتة، التي تعلق علمنا بها، فهكذا علمنا وهكذا خلقنا، وهكذا