للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لنكشف للأمة النقاب عما يُشاعُ فيها من هذه الآراء المنحرفة، حتى تتخذ الحيطة، وتتمسك بالكتاب، ولا تغتر بشخصيات الكاتبين وما لهم من شهرة واسعة في عالم الكتابة والتأليف، فقد أصبحنا في زمن كلُّه فتنٌ تتجارى بأصحابها كما يتجارى الكلب بصاحبه، لا يبقى منه عرقُ ولا منصلُ إلا دخله، ولا نجاة إلا بالاعتصام بحبل الله المتين، وكتابه المبين، وسنة رسوله - صلى الله عليه وسلم -، وأن نتفهَّمها كما كان يفهمها النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في سهولة وبساطة، بغير نظر إلى وجوه التأويل، ونواحي الخلاف، ثم نتوجَّه إلى ما يوجِّهنا الدين إليه، مستعصمين بالإيمان وصالح الأعمال، وإن أكبر ما أتمناه لهذه الأمة أن يرزقها الله حسنَ فراسة، تميز بها بين العدو والصديق، والمبطل والمحق.

٥ - عنايتُه بدقائق البلاغة وأسرار التعبير القرآني:

والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها بعض النماذج:

أ - عند تفسير قوله تعالى في سورة الرعد: {وَهُوَ الَّذِي مَدَّ الْأَرْضَ} ذكر الشيخ البنا رحمه الله أنه ورد التعبير عن خلق الأرض في القرآن الكريم بألفاظ كثيرة منها المدُّ المذكور هنا، ومنها الفرش، ومنها البسط، ومنها الدحوُ أو الدحي، وأن المراد من ذلك كلِّه: خلقها وسوَّاها وجعلها ممهدة لمعايش الخلق ومصالحهم. ثم قال رحمه الله: "وفي هذا التنويع في التعبير إشارة إلى تصرف القرآن في أساليب البلاغة اللفظية وبلوغه من ذلك المبلغ الذي لا يُسامى. وفيه كذلك فائدة معنوية، وهي الإشارة بهذه التعبيرات المختلفة إلى فوائد الأرض ومنافعها للناس: ففي المد إشارة إلى السعة والامتداد لمن شاء الغدوَّ والرواح، والتقلب في مناكبها والاضطراب في مذاهبها وفي البسط إشارة إلى السعة والتذليل لمن شاء اجتناء منافعها، وتحصيل خيراتها. وفي الفرش إشارة إلى الراحة والإيواء والاستقرار على ظهرها لمن شاء أن يتذكر نعمة الله في ذلك، فيقوم بشكرها، وفي الدَّحو إشارة إلى عجائب

<<  <  ج: ص:  >  >>