للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فعلت بي وفعلت بك (١)، فإذا أرادوا هذا لم تكن إلا فاعلت. فإذا أردت: عاهدتك وراءيتك وما يكون الفعل فيه مفردًا دهو الذى يحتمل فعلت وفاعلت. كذلك يقولون: كالمت فلانا وكلمته، وكانا متصارمين فصارا يتكالمان ويتكلمان.

[الجاحظ]

وبعد ذلك جاء إمامٌ فذٌّ، انتهت إليه الرياسة دون منازع في دفاعه عن العربية، وسيبقى بحق رائدًا من أولئك الرواد القلائل، الذين جمعوا إلى سعة الإطلاع، وقوة الحافظة، وغزارة العلم، والاعتزاز بالتراث، والغيرة على الثقافة العربية والإسلامية، جمع إلى ذلك كله يقظة الذهن، وصدق العاطفة، وإرهاف الحس، وسلامة التفكير، وإحكام المنطق، والقدرة على الاستنتاج ذلكم هو الجاحظ، الذي خلَّد للتراث مكتبة تكاد تكون متكاملة، تنتظم المعارف التي كانت معروفة إلى عهده، فخلد بذلك أثرًا لا يخلِّده إلا الجهابذة النحارير.

والذي يعنينا من هذا التراث تلك الملحوظات، أو قل: المباحث القيمة في قضايا البلاغة القرآنية، سواء بذلك ما وصل إلينا منها، أم لم يصل مما أشار إليه، أو أشار إليه العلماء من بعده، وهذه الملحوظات أو المباحث، تجدها أكثر ما تكون في كتابيه (البيان والتبيين) و (الحيوان)، فقد تحدّث في مواضع متعددة عن كثير من القضايا البلاغية كالإيجاز، والتشبيه، والمجاز، والاستعارة، والكناية، وكثير من الفنون البديعية، وهي مبثوثة في ثنايا كتبه، إلا أنه ينقصها حسن التبويب، والتنظيم، وليس في ذلك ما يعيبه، حيث كان ذلك طبيعة هذه المرحلة التي عاش فيها الجاحظ.

لقد دافع الجاحط عن العربية، وردَّ على الشعوبيين الذين أرادوا أن ينالوا منها.


(١) يعني إذا كان الفعل بين اثنين.

<<  <  ج: ص:  >  >>