هو محمد رشيد بن علي رضا بن محمد شمس الدين القلموني البغدادي الأصل والحسيني النسب (١). ولد سنة ١٢٨٢ هـ (١٨٦٥ م) في القلمون على شاطئ البحر الأبيض المتوسط، وهي تبعد عن طرابلس الشام زهاء ثلاثة أميال، وهو من أسرة كريمة اشتهرت علمًا وصلاحًا ونسبًا. وخير ما يعطينا صورة عن شخصيته وحياته، تلك الترجمة التي كتبها بقلمه عن نفسه في كتابه (المنار والأزهر) عام ١٣٥٣ هـ -١٩٣٤ م، أي في آخر سني حياته، وقد نقل هذه الترجمة كاملة، أمير البيان شكيب أرسلان رحمه الله في كتابه (السيد رشيد رضا أو إخاء أربعين سنة).
نشأ قليل الرغبة في اللعب، شديد الحياء، وقد نفعه حياؤه من ناحية الأدب وصيانة العرض واللسان، فلم ينطق بشيء من كلام المجون والفحش، ولم يجهر بقراءة شيء مما في الكتب منه، ولم يسمح لأحد أن يتكلم معه بشيء، مما يتسامح به الأدباء من ذلك، وإلى جانب ذلك كله كان نادر الذكاء، وقد وصف نفسه بالذكاء، وأبرز جوانبه سرعة الفهم والقدرة على التعبير عما يفهمه، وقوة الاستحضار لما يقرأ أو يسمع، إلا أنه ضعيف الاستعداد للحفظ ولا سيما للجزئيات كالأعلام والأرقام والحوادث الجزئية التي لا تضبطها قاعدة كلية أو، غرض عام، ويُعنى من التاريخ بفلسفة الحوادث وأسبابها ونتائجها العامة دون التفاصيل الجزئية لأحداثه.
أقول: إن مثل هذه الشخصية التي اهتمت بكليات الأمور وأحداثها العامة، هي التي يمكن أن تقدم للأمة الخير، وتنتفع الأمة بجهودها، وهي التي تقدم الجديد والخير للناس، على العكس من ذلك، تلك الشخصية التي تمكنت من دقائق