جهة ومن جهة أخرى في رأي أن المفسر كانت له اليد الطولى، والقدح المعلّى، والقدم الراسخة في الكتابات الأدبية والتحليل الفني، فلا مانع من أن يكون ذلك قد أثر في كتابة الرجل، وليس معنى هذا أن التفسير خالِ تمامًا من الوقوف عند العناية بالتراكيب اللغوية فلقد مر معنا بعض الصور التي استخرجها المؤلف وبين الدقة الفنية فيها وها هو زيادة على ما تقدم معنا يقول عند قوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعًا بَصِيرًا}[النساء: ٥٨]، (ونقف لحظات أمام التعبير من ناحية أسلوب الأداء فيه، فالأصل في تركيب الجملة إنه نعم ما يعظكم به ... لكن التعبير يقدم لفظة الجلالة فيجعله (اسم إن) ويجعل نعم ما (نعمّا) ومتعلّقاتها في مكان خبر إن بعد حذف الخبر ... إن ذلك ليوحي بشدة الصلة بين الله سبحانه وهذا الذي يعظهم به) ومع هذا فإن من الصعب على عشاق الدراسات التقريرية -الذين يريدون أن يقفوا عند كل لفظة ليقرروا أصلها وموقعها الإعرابي- أقول من الصعب أن يجدوا بغيتهم في الظلال.
ثانيًا: عدم اهتمامه بالخلافات الفقهية:
كذلك يلاحظ القارئ عدم اهتمام المفسر كثيرًا بالخلافات الفقهية حتى إن ذلك ليظهر في بيان آيات الأحكام التي مر معنا طرف منها، فهو يذكرها جملة بحيث يظهر حكمة التشريع، ولكن هذا لا يشفي غلة بعض الناس وبخاصة هؤلاء الذين يريدون أن يرتووا من المنهل القرآني في أحكام الفقه.
إن للرجل فهمًا في معنى الفقه يرجع به إلى ما قبل وضْع المصطلحات العلمية، يظهر هذا حينما يتحدث عن الفقه وحينما يتحدث عن العبادة (فهو لا يرى الوقوف عند هذه المصطلحات ولا يرضى الجمود على ما ذكره المتأخرون، فهو مثلًا يرى أن هناك فرقًا بين فقه الدعوة وفقه الأوراق، كما لا يرى صحة الاصطلاح الشائع بتقسيم الفقه إلى عبادات ومعاملات وتخصيص العبادات بما خصص لها من صلاة وصيام. يقول في تفسير سورة هود (١): إن تقسيم النشاط الإنساني إلى (عبادات)