ومن مجالات تفسير القرآن بالقرآن، ما نجده في القراءات القرآنية، فلقد قالوا: إن كل قراءة بمنزلة آية من الآيات، فكما أن بعض الآيات تفسر بعضًا، فإن ذلك يصدق على القراءات كذلك، وقبل أن نسترسل في هذا الموضوع، لا بد من التنبيه على أن تفسير القرآن بالقرآن في هذا المضمار يجب أن نقتصر فيه على القراءات الصحيحة المتواترة، . أما تفسير القرآن بالقراءة الشادّة فلا يعدّ من هذا القبيل، أي لا يعدّ من تفسير القرآن بالقرآن، بل هو من تفسير القرآن بالسنة، إن كانت القراءة مسندة إلى الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، أو من تفسير الصحابة إذا كانت مسندة إلى صحابي، فما روي من قراءة بعض الصحابة (فله أخ أو أخت من أم بزيادة) من (أم) أو بزيادة متتابعات في قوله (فصيام ثلاثة أيام متتابعات) وهو كثير في كتب التفسير، لا يعدّ من تفسير القرآن بالقرآن، بل لا بد من أن تكون القراءة المفسرة متواترة كما قلت. فمن ذلك على سبيل المثال:
{وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا}[يوسف: ١١٠]، ففي الآية قراءتان (كُذبوا) بالتخفيف و (كُذِّبوا) بالتشديد، فقد قرأ الكوفيون (كُذبوا) بالتخفيف، وقرأ الباقون (كُذِّبوا) بالتشديد، وقد اشتهر الخلاف بين السيدة عائشة وابن عباس رضي الله عنهم حول هذه الآية الكريمة، ومعنى قراءة التشديد أن الرسل استيأسوا وأيقنوا أن المرسل إليهم قد كذبوهم، فالضمير في (كذِّبوا) للرسل، وترى السيدة عائشة رضي الله عنها، أن معنى قوله:(وظنوا أنهم قد كذبوا) أي أيقن الرسل أن أتباعهم الذين آمنوا بهم قد كذبوهم لما تأخر النصر.
أما قراءة التخفيف فلها توجيهان:
أحدهما: أن الظن بمعنى التوهم وحديث النفس، والمعنى أن الرسل لما طال انتظارهم توهموا وحدثتهم أنفسهم أنهم كذبوا وأخلفوا ويؤيد هذا ما في الآية الأخرى في سورة البقرة قولهم (متى نصر الله).