ويؤيد ما ذهب إليه بما حدث مع أسامة بن زيد -رضي الله عنها -، حينما قتل رجلًا بعد أن نطق بالشهادة، ظنًّا منه بأنه قالها خوفًا من القتل، وبآية الأنفال:{وَإِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَهَا}[الأنفال: ٦١] وبآيات سورة محمد - صلى الله عليه وسلم -، وبأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يرفض يومًا، طلب صلح أو عهد أمان من أعداء محاربين.
وينتهي المطاف بمفسرنا الفاضل إلى قول الله عز وجل: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (٢٩)} [التوبة: ٢٩] فيقرر أنها حصرت أمر القتال، في الفئات التي لا تدين دين الحق، ولا تحرم ما حرم الله ورسوله من الكتابيين دون سائرهم. فهو إذن يقسم أهل الكتاب إلى قسمين: من يدينون دين الحق، ومن ليسوا كذلك، ومن هنا فهو يرد ويأبى ما قاله المفسرون، من أن المقصود بكلمة (ورسوله): الرسول - صلى الله عليه وسلم -، وأن المقصود بقوله:{وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ} أي الإسلام، يرد هذا التفسير بحجة أنه لا ينسجم مع المبدأ المحكم الذي قرره.
والأغرب من هذا أن مفسرنا يستدل على مذهبه، بكلمة (مِنْ) في الآية بأنها للتبعيض، وبقوله:{لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ} مع أن أناسًا منهم لا ينطبق عليه هذا الوصف كما يدعي، ويستأنس لذلك بقوله تعالى:{يُرِيدُونَ أَنْ يُطْفِئُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ}[التوبة.٣٢] معللًا ذلك، بأنهم ليسوا جميعًا قاصدين هذا الإطفاء.
[مناقشة تلك الآراء]
هذه خلاصة لآراء الأستاذ دروزة، بثها في أثناء تفسيره، جمعها من هنا وهناك، وهي آراء يستدعي الكثير منهما التوقف ويقتضي المناقشة والرد، ولعله من المستحسن أن أورد -قبل تفنيذ هذه الآراء- مقتطفات من كلام الأئمة.