للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الاتجاه العقدي في التفسير

[تمهيد]

إن من أهم الحقائق التي قصد إليها القرآن، بل أهمها على الإطلاق بناء العقيدة الصحيحة في النفوس، محل العقائد التي سيطرت على أجواء القلوب والعقول، لا فرق في ذلك بين عقائد الوثنيين وأهل الكتاب.

وإذا كانت العقيدة من أهم ما ركز عليه القرآن، بل كانت فعلًا أهم مسألة أراد تثبيت دعائمها، كما نرى ذلك في آيات القرآن المكي {وَعَجِبُوا أَنْ جَاءَهُمْ مُنْذِرٌ مِنْهُمْ وَقَال الْكَافِرُونَ هَذَا سَاحِرٌ كَذَّابٌ (٤) أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ} [ص: ٤ - ٥]. حتى المدني منه الذي عني بالتشريع والأحكام، لم يخل في أكثر المواضع من لفت لتلك العقيدة:

والرسول الذي أُعطي جوامع الكلم عليه وآله الصلاة والسلام، كان كل همه أن يؤمن قومه. حتى لقد كان عدم إيمانهم يشق عليه {لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [الشعراء: ٣] وها هو الرسول يتلو عليهم القرآن، ليبشر به المتقين وينذر به قومًا لدا، يخاطب عواطف القوم وعقولهم (قولوا كلمة واحدة فإذا قلتموها دانت لكم العرب، وأدت لكم العجم الجزية، قولوا: لا إله إلا الله) (١).

ويقول -صلى الله عليه وسلم-: (إن الرائد لا يكذب أهله، والله لو كذبت الناس جميعًا، ما كذبتكم، ولو غررت الناس جميعًا ما غررتكم، والله لتموتن كما تنامون، ولتبعثن كما تستيقظون ولتجزون بالسوء سوءًا وبالإحسان إحسانًا. وإنها لجنة أبدًا، أو لنار أبدًا) (٢). وألقى القوم الشبهات، وطلبوا المقترحات، وعاندوا وكابروا، والقرآن يتدرج معهم، دليلًا، بعد دليل، يكر على شبهاتهم ليأتي عليها من القواعد، إلى أن ثبت الله دينه في النفوس ومكن له في الأرض.


(١) جامع الأصول ٢/ ٤٠٣.
(٢) رواه البلاذري؛ ذكر ذلك الإمام محمد بن يوسف الصالحي في سبل الهدى والرشاد (٢/ ٣٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>