للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الديني، فالمنعم عليهم هم من عرفوا الحق فتمسكوا به، وعرفوا الخير فعملوا به) (١).

٢ - تفسير قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [البقرة: ٧]:

بعد بيان معاني الكلمات قالا (٢): (فهذه الآية الكريمة تفيد عن طريق الاستعارة أو التمثيل، أي هناك حواجز حصينة وأقفالًا متينة وغشاوات مطبقة، قد ضربت على أسماعهم وعلى قلوبهم، حتى أصبحوا لا يخيفهم نذير ولا يرغبهم بشير.

وعبر في جانب القلب والسمع بالختم، وفي جانب البصر بالغشاوة، لمعنى سام وحكمة رائعة، ذلك أن آفة البصر معروفة، إذ غشاوة العين معروفة لنا، فالتعبير في جانب العين بالغشاوة، مما يحدد لنا مدى عجزهم عن إدراك آيات الله بتلك الجارحة، وأما القلب والسمع فإنهما لما كانا لا تدرك آفتهما إلا بصعوبة، فقد صور لنا موانعهما عن الاستجابة للحق بصورة الختم.

وعبر عن جانب القلب والسمع بجملة فعلية تفيد التجدد والحدوث، وفي جانب البصر بجملة اسمية تفيد الثبات والاستقرار، لأنهم قبل الرسالة ما كانوا يسمعون صوت نذير، ولا يواجهون بحجة، وإنما كان صوت النذير وصياغة البراهين بعد ظهور النبي -صلى الله عليه وسلم-، وأما ما يدرك بدلائل البصر من دلائل وجود الله وآيات قدرته، فقد كان قائمًا في السماوات والأرض وفي الأنفس، ويصح أن يدرك قبل الرسالة النبوية، وأن يستدل به المتبصرون والمتدبرون على وجود ربهم وحكمته، فلم يكن عماهم عن آيات الله القائمة حادثًا متجددًا، بل هم قد صحبهم العمى من بدء وجودهم، فلما دعوا إلى التبصر والتدبر صمموا على ما كانوا عليه من عمى.

وجمع القلوب والأبصار وأفرد السمع، لأن القلوب تختلف باختلاف مفاد ما تفهمه، مما يلقي إليها من إنذار أو تبشير، ومن حجة أو دليل، فكان عن ذلك تعدد


(١) التفسير الوسيط ١/ ٢٠ - ٢١.
(٢) ١/ ٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>