عن تحكيم هذا الدين الذي أكمله الله وأتم به نعمته على هذه الأمة، وما دامت الأمة معرضة عن ذكر الله فإن لها معيشة ضنكًا جزاءً وفاقًا.
[٢ - موقف المسلمين من غيرهم]
كان لصلة المسلمين بغيرهم أثر في التفاسير الحديثة، وتلك مسألة حري بها أن تبحث. فما هي طبيعة العلاقات بين هذه الأمة والأمم الأخرى.
في القرآن آيات كثيرة تنهى عن موالاة الكافرين مثل آية آل عمران {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ}[آل عمران: ٢٨]، وآية المائدة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ}[المائدة: ٥١] وغيرها كآية الممتحنة {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}[الممتحنة: ١]. وهناك آيات أخرى تأمر بالبر والتسامح مع فريق من أهل الكتاب كآيات سورة الممتحنة.
ولقد كانت هذه الآيات مثار جدل بين العلماء، فصاحب المنار يخطيء بعض المفسرين -الزمخشري والبيضاوي- الذين يعدون الولاية، ولاية مودة وحسن معاملة، واستخدام أهل الكتاب ولا يرى بأسًا في ذلك كله ما داموا غير محاربين. ولهذا عدّ الأفغانيين جهلة متعصبين، حينما ثاروا على أميرهم لأنه خالط الإنجليز، وتزيا بزيهم. ولكن صاحب الظلال يرى أن الولاية ولاية تعاون وتناصر، وأنه ينبغي أن نفرق بين الولاية وبين التسامح الذي يكون للذين في بلاد المسلمين، وفي المسائل الشخصية، وليس في التصور الاعتقادي أو النظام الاجتماعي. فأهل الكتاب هم الذين قالوا عن المشركين {هَؤُلَاءِ أَهْدَى مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا سَبِيلًا}[النساء: ٥١]. وهم الذين أثاروا الحرب الصليبية، وهم الذين ارتكبوا الفظائع في الأندلس، وشردوا المسلمين في فلسطين، وهم يتعاونون مع الوثنيين والملحدين، حينما يكون الحرب ضد الإسلام، وأنه لا تجوز الاستعانة بهم إلا لضرورة، حين يتعذر وجود مسلم يقوم بنفس العمل.