فشكوى الأنبياء لم تكن إلا بسبب إعراض أممهم عن الاستجابة، وحزنهم لم يكن إلا بسبب بطء في سير الدعوة، واستدل بقوله تعالى:{وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلَا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ}[النمل: ٧٠].
أما قوله {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} فالمراد بقوله (اركض) عقد العزيمة وتأكيدها، واستتمام الثقة وإكمالها؛ وذلك لأن الشكوى تشعر بالوهن وعدم القوة في السير إلى الغاية لذلك، هذا ما كان من جواب تلك الشكاية.
أما قوله {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}[ص: ٤٢] لما كان تردد المرء في غايته ووهن عزيمته مرضًا يضايق الصدور كان عقد العزيمة، واستكمال الثقة غسلا للروح من صدئها، وشفاء للنفس من مرضها، فالمراد من المغتسل هو عقد العزيمة واستكمال الثقة، وهنا يكون اسم الإشارة راجعًا إلى الركض بالرجل التي هى كناية عن عقد العزيمة.
{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ}[ص: ٤٣] أي هدينا أهله فآمنوا به واستجابوا لدعوته، وهدينا له مثلهم من غير أهله فالهبة هنا هي الهداية والإرشاد، لا هبة الخلق، لأن ما يهتم به الأنبياء، هو أن يهدي الله بهم لا أن يولد لهم.
وقوله تعالى:{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ}[ص: ٤٤] أي لا ترفع في وجوه قومك رمحًا ولا عصا ولا تغلظ لهم في القول، بل لوح لهم في وجوههم بالرياحين ولا تأثم بالغلظة.
وهذه التأويلات - كما نرى - بعيدة كل البعد عن مدلول اللفظ القرآني ولا ينبغي أن نحمل الألفاظ ما لا تحمل.
وقفة مطوّلة مع بنت الشاطئ:
١ - عند حديث الدكتورة عائشة عبد الرحمن عن قوله تعالى:{أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ} تقول: السورة تبدأ بهذه الجملة الخبرية القصيرة، لكن الرازي أخرجها من