وأن يحيطا بالإنسان من جميع جهاته، فتكون أعماله الكسبية في الحياة مكتنفة بهما، دائرة بينهما، موصوفة بأحدهما. ولا بد في ذلك من قدر الله، ومن سننه العامة في هذا العالم الإنساني.
وحكمته المبينة في وحيه: هي ابتلاء خلقه، ليجازوا على ما يكون من كسبهم وسلوكهم، بعد أن وهبهم العقل والتمييز، وأكمل عليهم نعمته بهداية الدين عدلا منه تعالى ورحمة.
وحكمة أخرى: وهي تمرين هذا الإنسان في حياته، العلمية والعملية، وتدريب فكره على اختيار الأنفع على النافع، والنافع على الضار، ثم سوق الجوارح إلى العمل على ذلك الترتيب وترويضها عليه.
[مسؤولية الإنسان]
والإنسان يكتسب القوة والدربة بتمرسه على ما يلقاه من الخير والشر بعمله وبفكره.
وللفكر الإنساني عمل سابق لأعمال الجوارح المجترحة، وسائق لها ومهيء لما يظهر أنه من بدواتها (١).
وهذا العمل الفكري تظهر قوته في نواح منها - وهو أهمها:
التمييز بين الخير والشر، وأدق منه التمييز بين الخيرين، وشر الشرين، فإن الخير درجات وأنواع؛ والشر كذلك دركات وأنواع.
والإنسان في هذا الخضم الذي تلاطمت أمواجه، وفي هذا الفضاء الذي تشابهت أفواجه، محتاج إلى معونة إلهية في تمييز الخير من الشر. وقد أمده الله بهذه المعونة من دينه الحق. ومحتاج إلى تأييد إلهي يعصمه من الشر ويقيه من الوقوع فيه عن جهالة أو عمد.
(١) فالإنسان حر مختار، لا مقهور مسير كيشة في مهب الرياح.