للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[٥ - استقلال الشخصية]

إن كثيرًا من الناس لا يتمتعون بشخصية مستقلة، وكيان علمي بارز، ونزعة حرة في التفكير، بل تذوب هذه كلها أمام تأثير الآخرين، وهذا ما نهى عنه الإسلام، حيث حارب القرآن التبعية التي لا تستند إلى الحق، والتي ترتكز على التقليد والهوى والتعصب الأعمى، كما حذر الرسول عليه وآله الصلاة والسلام المؤمنَ من أن يكون إمعة.

وتفسير المنار تبدو فيه آثار استقلال الشخصية واضحة المعالم عميقة الجذور. وتلك الآثار إنما انعكست على التفسير من شخصية المؤلف.

ولا يخفى على أحد أنه حينما يذكر رشيد، فإنه يذكر إلى جانبه بطريقة الربط وتداعي المعاني -كما يقول علماء النفس- الشيخ محمد عبده، ومن قبله ابن تيمية وتلميذاه، ابن القيم وابن كثير رحمهم الله، ومع إجلال الشيخ رشيد لهؤلاء جميعًا، وإعجابه بهم جميعًا ودفاعه عنهم، فإننا مع ذلك نجده في كثير من المواضع، يستدرك عليهم حينًا، ويرد ويناقش حينًا آخر. والمتأمل في تفسير المنار لا يسعه إلا أن يكبر رشيدًا .. فإذا تأملنا تصرفه مع الشيخ محمد عبده نجد الأطراء والإكبار، فهو تارة يقول عنه، بأنه جاء بما لم يجيء به مفسر من قبله، وبأنه سبق المفسرين في تقرير بعض المعاني، كما رأينا ذلك عند تفسير قول الله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ} [البقرة: ٢١٩] (١) وقوله تعالى: {وَالَّذِينَ عَقَدَتْ أَيْمَانُكُمْ فَآتُوهُمْ نَصِيبَهُمْ} (٢)، وتارة يستدرك عليه ويعتذر عنه مسوغًا له قوله كما رأينا ذلك عند تفسيره سورة الفاتحة. وتارة يصحح ما ضعفه الشيخ من أحاديث، كما رأينا ذلك في أحاديث نزول عيسى (٣)، وعدم نخس الشيطان (٤) له،


(١) المنار جـ ٢ ص ٣٣٠.
(٢) المنار جـ ٥ ص ٩٤.
(٣) المنار جـ ٣ ص ٣١٧.
(٤) المنار جـ ٣ ص ٣٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>