الصحابة ومن بعدهم في العصور المتتالية أن يفسر أحدهم آية واحدة من القرآن؟ لأن تفسيره إذًا توفيقي ولا يجرؤ أحد أن يقدم عليه، وهذا إشكال قوي يرد على متن الحديث فيردّه.
لمَ لمْ يفسر الرسول -صلى الله عليه وسلم- القرآن كله؟
بقي سؤال على جانب من الإهمية: وهو لِمَ لم يفسر النبي -صلى الله عليه وسلم- القرآن كله؟
وأقول إن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام كان يفسر ما يحتاج المسلمون إلى تفسيره -كما قلنا- ولو أنه فسر القرآن كله لوصل إلينا ذلك أو أكثره، كيف لا والصحابة ومن تبعهم قد حفظوا لنا كلام الرسول عليه وآله الصلاة والسلام في شؤون هي أقل أهمية من تفسير القرآن، والحكمة في أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يفسر القرآن كله أنه أراد أن يفتح للأمة مجالات في فهم القرآن، ليدبروا آياته وليذكر أولو الألباب، ولو أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- فسر القرآن كله، ما كان هناك مجال لتلك الثروة التفسيرية ولكنه القرآن الذي لا تنقضي عجائبه؛ ولا يخلق على كثرة الرد، ولذا فإن ما ورد عن الرسول الكريم -صلى الله عليه وسلم- في التفسير لا يجوز تجاوزه، اللهم إلا إذا كان ذلك بطريق التأويل والتوسع.
وبعد، فإن كتب السنة قد خصصت أبوابًا للتفسير المأثور عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام وعن الصحابة، ففي صحيح البخاري كتابان: كتاب التفسير، وكتاب فضائل القرآن، وهكذا نجد في كثير من الكتب الأخرى ما لا نستطيع أن نشك في نقله أبدًا، وذلك كتفسير القوة بالرمي وتفسير الحج الأكبر بيوم النحر، وتفسير الحساب اليسير بالعرض (١).
والحق أن التفسير الذي روي عن الرسول عليه وآله الصلاة والسلام، بأسانيد
(١) صحيح البخاري (٤/ ١٨٨٥) كتاب التفسير باب (٤٢٢) (فسوف يحاسب حسابًا يسيرًا) حديث ٤٦٥٥.