للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويقول رحمه الله في هذا الشأن: "إن كثيرًا من التفاسير يفترض سلامة الإيمان وكماله، ومن ثم ركّز على النكت والشروح والفوائد ومناقشة الخصوم، وكل ذلك له فوائده، ولكن هذا التفسير يريد صاحبه أن يكون أداة لرفع درجات اليقين، بحيث لا يخلص القارئ من صفحة إلى صفحة إلا وقد ارتقى يقينه، هذا مع تصحيح التصورات وزيادة العلم، إن من أهداف هذه السلسلة خدمة قضية زيادة الإيمان، وإصلاح الاعتقاد والعمل" (١).

[موقفه من القراءت]

لم يهتم الشيخ كثيرًا بعرض القراءات المختلفة، بل اكتفى برواية حفص عن عاصم، وبنى تفسيره عليها، وحجته في ذلك أنه لا يريد تشتيت القارئ (٢)، لكنه لم يهملها تمامًا، فقد ذكرها أحيانًا دون أن يبين صاحب القراءة، كما في قوله تعالى: {لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ} [الأنعام: ١٠٥]، قال: "فيه ثلاث قراءات متواترة: دَرَسْتَ، ودارَسْتَ، ودَرَسَتْ، وكل واحدة تعطي معنى يقوله الكافرون، أما الأولى: فواضحة، وأما الثانية: فهي من المدارسة وهي واضحة، وأما الثالثة فمعناها: أي مضت هذه الآيات، وانتهت وانمحت وتقادمت، وهي من باب الأساطير، وكل من الأقوال الثلاثة تسمعه من الكافرين في عصرنا، الأول والثاني يقوله أهل الكتاب، والثالث يقوله الملاحدة: إن الدين كله مرحلة من مراحل الحياة البشرية انتهت وانقضت، وفي هذا مظهر من مظاهر الإعجاز في القرآن، إن في عرضه لاتجاهات الناس بأخصر الأقوال، أو لاختياره الكلمة التي لا يحل غيرها محلها، ومما ذكرناه نفهم الحكمة في تعدد القراءات المتواترة عن رسول - صلى الله عليه وسلم -؛ إذ في ذلك توسعة على الأمة بما يسع لهجات العرب، وفي ذلك معانٍ جديدة، وإنما اقتصرنا في هذا


(١) الأساس، ١/ ١٣.
(٢) انظر: المقدمة، ١/ ٣١.

<<  <  ج: ص:  >  >>