{فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ} أي قتل بعد العفو وأخذ الدية {فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ} في الآخرة.
{وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} أي بقاء لأن القاتل إذا علم أنه إذا قتل قُتل، ترك القتل فيكون بذلك بقاؤه، وبقاء عشيرته وعشيرة الذي يريد قتله، لأنهم كانوا يقتتلون طول الحياة، لو أقدم على القتل.
{يَاأُولِي الْأَلْبَابِ} أي ذوي العقول الكاملة.
{لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} أي تنتهون عن القتل خوف القصاص.
[الإيضاح]
كان في الجاهلية بين حيين من أحياء العرب دماء، وكان لأحدهما طول على الآخر، فأقسموا لنقتلن الحر منكم بالعبد، والذكر بالأنثى، فلما جاء الإسلام تحاكموا إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأمرهم أن يتباوأوا القصاص، من قص الأثر إذا تتبعه، فعلى ذلك يقتل القاتل، بمثل ما قتل به من سيف أو عصا أو شدخ رأس، وهذا قول الشافعي ومالك وأحد قولين عن أحمد، ومذهب الحنفية السيف، وليس في الآية من دليل على ما ذهب إليه مالك والشافعي رضي الله عنهما، من امتناع قتل الحر بالعبد، والمسلم بالكافر، وإنما الدليل ما ورد في السنة أن لا يقتل مسلم بذي عهد، ولا حر بعبد، وهكذا فعل الصحابة من غير نكير.
وهذه الآية أفادت التخفيف على هذه الأمة، فلقد كان العفو عند النصارى، والقصاص. عند اليهود، وكان العرب تارة يوجبون القصاص، وأخرى يوجبون الدية، ومنهم من يبطش فيقتلون في الرجل رجالًا، وفي المرأة رجلًا، وفي العبد حرًّا. فجاءت هذه الآية بوضع القسطاس في الأرض، سوى الله بين الناس، وجعل الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى، فلا يتجاوز عنه إلى ما تفعله العرب في الجاهلية، وما كان فوق ذلك المسلم والكافر والعبد والحر، فإنما هو محل