للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحلف وانظر معي، ألم تر أن الله ذكر الأنبياء، وقد قسم أعمال الدولة عليهم، فمنهم صاحب العلم والحكمة، ومنهم من يهدم الأصول الضالة ومنهم من استبانت عفته واضحة، ثم قال: {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً} [الأنبياء: ٩٢]، فلتجمع جميع هذه الخصال، ثم ذكر أن المسلمين سيقصرون، ويأخذ كل فريق منهم بطرف من الدين، وذمهم على ذلك، ثم حذر وذكر أمور الآخرة وفناء العالم، ثم أتبعه بهذه الآية فهي ملخص ما تقدم كله).

أرأيت ما أجمل هذا الأسلوب، وما أنصع هذه الحجة، وما أبين هذه الكلمات، وما أحلى وأروع الإبداع فيها.

[جـ - خصوبة الخيال]

وتلك الخصوبة في الخيال، تظهر في غير القصة والمحاورة كذلك، فنراها واضحة وهو يحدثنا عن أسرار الحروف: سر الطاء والسين في سورة النمل، وأنهما في كلمتي الطير وسليمان، وسر كون الرسول -صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، في الطاء والسين، وهما طمأنينة العالم وسلامته، وهذه عبارته: (فطاء طمأنينة العالم، وسين سلامه، تتوقفان على تفقد المسلمين الأمم أمة أمة، كما تفقد سليمان الطير، وتفقده له بين الطاء والسين، وينتج الطاء والسين، ومن عجب أن سليمان فيه معنى السلام، وأن الطيران الحديث ربما يعقبه تواصل الأمم فتكون الطمأنينة (١)، ففي الطاء والسين السر العجيب) (٢).

رحم الله الشيخ طنطاوي، فمع أننا لا نشك في شدة غيرته على هذه الأمة، وإيمانه العميق بهذا القرآن، إلا أن خصوبة خياله، جعلته يحلق في كثير من الأحيان بعيدًا عن الناس وواقعهم، وعن الألفاظ ومدلولاتها، وهذا يظهر جليًّا في تفسيره،


(١) ولكن معظم البلاء اليوم إنما هو من الصواريخ والقنابل التي يطلقها الطيران.
(٢) الجواهر جـ ١٣ ص ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>