في تفسيره أثر صحيح لا يُقدَّم عليه قول آخر أيًّا كان، وما لم يكن كذلك، وكانت اللغة تعين على احتمال معانٍ متعددة له دون أن تتعارض مع السياق فلا بأس أن تُحمل الآية على هذه الأقوال كلها، وهذا ما سار عليه الإمام الطبري -رحمه الله- وغيره من كبار المفسرين، وهذا من شأنه أن يفتح الباب أمام العلماء والباحثين والمحققين في فهم كتاب الله تعالى، فالقرآن الكريم - كما نعلم - لا تنقضي عجائبه ولا يخلق على كثرة الردّ، ولا تنتهى جدّته.
* * *
[التفسيرات البعيدة عن اللغة والسياق]
هذا كله إذا كان حمل الآية على كل ما ورد في تفسيرها من أقوال ممكنًا، أمّا إذا تعذّر ذلك لسبب ما فلا، كأن يكون التفسير غير منسجم مع اللغة أو يستبعده السياق فلا ينبغي أن يُقبل مثل هذا التفسير. ومن أمثلة ذلك:
١ - قوله سبحانه:{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الإسراء: ١] في أول سورة الإسراء حيث فسّر بعضهم السميع البصير بأنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وذلك لعود الضمير على أقرب مذكور ولأنّ الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان في هذه المواطن البعيدة عمّا يدركه البشر يسمع ويبصر. وهذا تأويل بعيده جدًّا، لأنّ السميع البصير لم يذكر في القرآن الكريم وصفًا لغير الله.
٢ - قوله سبحانه {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ (٢١٧) الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ (٢١٨) وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} [الشعراء: ٢١٧ - ١٢١٩] فسّر بعضهم قوله تعالى: {وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ} بمعنى أن الله يرى تقلبك في أصلاب الساجدين من آبائك من لدن آدم عليه السلام إلى زمن ولادتك. وهذا قول بعيد جدًّا لا تعين عليه اللغة ولا السياق، وليس فيه كبير مدح وثناء، فإن المعنى الظاهر للآية أن الله تبارك وتعالى يراك حين قيامك في الصلاة ويراك في حال سجودك. وقيل: معنى