للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} ومعنى قوله: {مِنْ خَلْفِهِ}؟ وهل يفهم هذه البلاغة المعجزة، التي يسجد لها البلغاء. إن معناها يا أستاذ الجامعة، أن القرآن لا يشخص عصرًا ولا يمثله، بل هو كتاب كل عصر، وهو الثابت على كل علم، وكل بحث وكل اختراع واستكشاف على مدى الأزمنة، في أيها جاء مما سيستأنفه التاريخ وهذا معنى (من بين يديه) وأيها ذهب مما يطويه الماضي، وهذا معنى (من خلفه) (١).

وفي الحقيقة أنه كان سيفًا ناطقًا، استلته آي القرآن ليُضرب به كل من حام حول ساحته بشبهة، فلقد جعله الله في الأواخر كما جعل حسانًا في الأوائل.

ثانيًا: كتابه في الإعجاز:

كان الرافعي يرى أن القرآن معجزًا بأوسع مدلولات تلك الكلمة، فهو معجز في تاريخه، وفي آثاره وفي حقائقه، ولكن كتاب الإعجاز الذي وضعه الرافعي، وضعه لإثبات إعجاز القرآن في نفسه، فهو يتحدث كن أسلوب القرآن وكن نظمه، وقد لا يبدو ذلك جديدًا، إذا عرفنا أن الذين تحدثوا عن نظم القرآن تحدثوا عن جمله وآياته، وتحدث الرافعي عن مراحل قبل ذلك، أدركنا أن الرجل جاء بجديد.

لقد تحدث الرافعي عن نظم القرآن فتحدث أولًا عن الحروف في أصواتها، وثانيًا عن الكلمات في حروفها، وثالثًا عن الجمل في كلماتها، فصال وجال بين تلاؤم الحروف وعدم تنافرها، وبين موقع كل حرف في الكلمة، فجاء بما يطرب له كل قلب مؤمن، فالحرف الواحد من القرآن معجز في موضعه، لأنه يمسك الكلمة التي هو فيها، والكلمة في الحقيقة الوضعية إنما هي صوت النفس، وهناك صوت آخر هو صوت العقل، وثالث هو أرقى منهما وهو صوت الحس، والعرب إن عرفوا الأولين، لكنهم لم يعرفوا الثالث، لأنه كان مما تعاطوه ولم يعطوه فلم يدركوه إلا من القرآن. ويوضح ذلك بقوله (لو تدبرت ألفاظ القرآن في نظمها،


(١) المرجع السابق ص ١٥٠ - ١٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>