للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن يحوله بعد أن أعلن توبته من هذا الخلق السوي الذي سجد له الملائكة إلى الأميبا، مرورًا بالمراحل المختلفة التي تتنافى مع الإنسانية كل التنافي. {وَمَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [النجم: ٢٨].

هذا هو آدم في القرآن. فإذا جاء بعد ذلك من يدعي، وقد بهرته النظريات وأسرت عقله - أنه ينبغي أن تؤول الآيات حتى لا تتنافى مع تلك المقررات فإنا نرفض قوله أيا كان، ومن هنا فأنا أسأل الله الرحمة للأستاذ الشيخ عبد الوهاب النجار، الذي يشعر القارئ لكتابه قصص الأنبياء، وكأنه متخوف من مثل تلك النظريات حينما يتكلم عن قصة آدم، حيث يقرر أنّه إن صحّت تلك النظريات فلا تنافي بينها وبين القرآن. ونحن نقول: (لا، القرآن هو الحجة والمهيمن على كل ما عداه، سواء أكان ذلك قبله، كالكتب السماوية أم بعده من النظريات، وهو أحرى بالهيمنة على هذه من غيرها).

[النعيم والعذاب]

وإذا تركنا قصة الخلق إلى آيات البعث والعذاب والنعيم، رأينا المؤلف يحكي لنا أقوال بعض السابقين، من أن آيات النعيم والعقاب، ليست على حقيقتها. ولعل المرجئة هم أول فرقة من الفرق الإسلامية التي قالت هذا القول (١). لقد كان المؤلف يدور حول عبارة لا نختلف معه فيها، وهي أن الله لا يعذب حبًا في العذاب، وإنما يعذب لأنه حكم عدل. لكننا نخالف المؤلف فيما اتبعه من وسائل، وفيما حشده من نصوص أخرجها عن سياقها، وذهب بها بعيدًا عن مراميها ومقاصدها. ومن هذه النصوص التي استشهد بها المؤلف، قول الله تعالى: {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفًّى} [محمد: ١٥]. فلقد كان سبب إعراضه عن الدين


(١) نهاية السول للأسنوي جـ ١ ص ٣٠٧ - طبعة صبيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>