ويقول عند قوله تعالى:{وَتَرَى الْجِبَال تَحْسَبُهَا جَامِدَةً} وهي موضع حديثنا: وما جاءت به التفاسير المعتبرة، نرى أن لها وجهتين لا ثالث لهما. فالوجهة الأولى: تبين مصير الجبال في يوم القيامة حيث تؤول إلى هباءات متناثرة في السماء كأنها سحابة متحركة بالفضاء .. أما الوجهة الثانية فهي تشير إشارة صريحة إلى حركة الأرض اليومية حول نفسها والفضائية حول الشمس بحيث نرى الجبال جامدة صامدة على سطح الأرض، ولكنها هي في الحقيقة متحركة بحركتي الأرض وفي الواقع إن كل نقطة على سطحها هي في حركة مستمرة لا استقرار لها ولكن لا نحس ولا نشعر بهذه الحركة والوجهة الأخيرة هذه أقرب من الأولى إلى الحقيقة لما جاء في آخر الآية {صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ} من حيث. لا يتلاءم إتقان الصنعة مع التخريب والتدمير، بل يتواءم مع الإنشاء والتعمير بحركتي الأرض الخارقتين بتأثير الجاذبية، دون خلل واضطراب يصييان الأرض من جراء الحركتين المذكورتين. فيها لها من صعنة متقنة اتقانًا تحير العقول الجبارة (١)
نكتفي بهذه النماذج، ومن دراستنا لها نجد أن أقل أسباب الاختلاف بين المفسرين ما يرجع إلى السنة المطهرة، فليس هناك قولان كان سببهما حديثين مختلفين، وإنما يرجع إلى اللغة من حيث ورود أكثر من معنى للكلمة، أو مرجع الضمير أو غير ذلك مما يمكن أن نستنتجه من أسباب، كما رأينا أن السياق يساعدنا كثيرًا في حل كثير من الإشكالات، وسنزيد هذا المعنى إيضاحًا في آخر هذا المبحث، حينما نختار سورة أنموذجًا لمعرفة ما فيها من اختلاف المفسرين.
* التجرد الحقّ أساس لفهم القرآن الكريم:
إن حديثنا عن قواعد التفسير ودعائمه من لغة ومأثور وسياق، وما يتصل بذلك كله، إنما يكون مجديًا ومفيدًا إذا كان القارئ أو المفسر متجردًا من جميع المؤثرات الخارجية والداخلية، أعني أن لا يكون متكئًا على قول ما، أو معجبًا برأي ما، يريد أن يحمل القرآن عليه، ولقد رأينا - كما حدثتك من قبل - من يتمحل