للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[اعتماد الصحابة أسباب النزول في التفسير]

إن ما نقل من تفسيرات الصحابة للقرآن (١) يعول عليه كثيرًا، وذلك لمعرفة القوم بأسباب النزول فإن سبب النزول يعين على فهم الآية ومعرفة المراد منها، وذلك واضح في آيات كثيرة. فقوله تعالى: {وَلِلَّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: ١١٥] يوهم ظاهره عدم وجوب التوجه إلى القبلة. لكننا إذا عرفنا السبب زال هذا الوهم. وقوله تعالى: {إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا} [البقرة: ١٥٨]. يقتضي ظاهره عدم وجوب السعي. لكننا إذا عرفنا سبب النزول، عرفنا المراد من الآية وزال هذا التوهم. ويوضح هذا المعنى ما رواه أبو عبيد عن إبراهيم قال: (خلا عمر ذات يوم فجعل يحدث نفسه كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؟ فأرسل إلى ابن عباس فقال: كيف تختلف هذه الأمة ونبيها واحد؟ وقبلتها واحدة؟ قال ابن عباس يا أمير المؤمنين إنا أنزل القرآن علينا فقرأناه، وعلمنا فيم نزل، وإنه سيكون بعدنا أقوام يقرأون القرآن ولا يدرون فيم نزل، فيكون لهم فيه رأي، وإذا كان لهم فيه رأي اختلفوا فاقتتلوا (٢).


(١) وسبب النزول عليه معول كبير في فهم الآية ولا أدل على ذلك من قول ابن مسعود (والله الذي لا إله غيره ما نزلت آية من كتاب الله إلا وأنا أعلم فيمن نزلت وأين نزلت ولو أعلم مكانًا آخر فيه من هو أعلم بكتاب الله تناله المطايا لأتيته) تفسير ابن كثير جـ ١ ص ٣.
راجع موضوع أسباب النزول في كتابنا (إتقان البرهان في علوم القرآن)، فقد بحثنا هذا الباب بحثًا مستفيضًا.
(٢) فضائل القرآن لأبي عبيد القاسم بن سلام ص ٤٥. قال محققه الشيخ وهبي غاوجي الألباني، ورواه البيهقي والخطيب. أنظر الجامع الكبير للسيوطي، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى ١٩٩١ م.

<<  <  ج: ص:  >  >>