فهذه نصوص صريحة، في أن للبشر أبًا واحدًا، وأنه آدم عليه السلام، ولا يمكن أن يراد من الناس الذين أرسل إليهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم في الآية الكريمة، ولا من البشر الذين يذهبون إلى آدم في الحديث، قريش أو فئة أخرى فقط. وإن ما يقوله الباحثون لا يعدو أن يكون ظنًّا وتخمينًا، ونظريات لا تصل إلى درجة القطع ولم تتعد حدود الظن. والمسلم ينبغي أن يقف من النص القرآني موقف حزم ويقين، دون التفات إلى تخرصات المتخرصين {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}[النجم: ٢٣]، فلا يجوز إذن أن يكون النص القرآني أسيرًا لمثل هذه النظريات الهزيلة، نقول: إن ثبتت هذه النظرية فلا تعارض القرآن، وإن ثبت عكسها كذلك، فإنها لا تعارض القرآن أيضًا، وهكذا نؤرجح النص القرآني، فيكون تحت رحمة هذه الأقوال والظنون، إن النص القرآني ينبغي أن يكون هو الأصل، وإن كل نظرية لا تنسجم معه يجب أن نردها غير مبالين ولا خائفين. ولكن أناسًا فتنوا بهذه الحضارة فجعلوها أصلًا يتحاكمون إليه وذلك لعمر الحق هزيمة في حق أنفسهم أخف منها هزيمة حزيران في القرن الماضي سنة ١٩٦٧ وما بعد حزيران وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعًا.
[د- تأويله لبعض المعجزات وبعض ما خرج عن مألوف الناس]
إن بعض الناس عشاق لكل ما ليس بمألوف، تستهويهم الخوارق، حتى ولو كانت نسيج خرافة أو ناتج خيال. وعلى العكس من هؤلاء، أناس نفروا من ذلك كله، تارة بالإنكار وأخرى بالتأويل. والحد الوسط بين هؤلاء وأولئك، أن يرد كل ما لا يصح، وأن يقبل ما تثبت صحته، دون مخرج أو تأويل. والأستاذ الإمام رحمه الله كان من هؤلاء الذين يريدون حصر هذه الخوارق وتضييق نطاقها. ونحن
(١) صحيح البخاري كتاب التوحيد باب رقم (٣٧)، حديث رقم (٧٠٧٨) وهذه الآيات مدنية، فلا يعقل أن يكون المخاطبون فيها أهل قريش.