الفَصْلُ الخَامِس الآيات المختلف فيها بين المفسرين في سورة الحج أنموذج تطبيقي
يطلق بعضهم على مثل هذه الدراسات، التفسير المقارن، وأصبحت هذه المادة تدرس في بعض الجامعات، وبخاصّة في الدراسات العليا، وهي بحق تستحق من ذوي الشأن العناية اللائقة بها، ذلك لأن دراسة أقوال المفسرين فيما اختلفوا فيه من آيات ومحاولة ترجيح ما يستحق الترجيح ذات فوائد جمّة، فهو يضيّق نطاق الخلافات من جهة وينمي الفكر الإسلامي في فهم القرآن الكريم من جهة ثانية، ثم هو بعد ذلك مجال لفتح باب التنافس في استخراج كنوز هذا الكتاب الكريم من جهة ثالثة.
وإذا كانت بعض الجامعات، لها عناية بالدخيل في التفسير، حيث يكلّف بعض طلبة الدراسات العليا -الدكتوراه- بتتبع الدخيل في التفسير، فأرى أن هذا الموضوع قد يكون حريًّا بالدرس أكثر من أي موضوع آخر، ويا ليت هذا الأمر يدرس من قبل الأساتذة المتخصصين فتجمع هذه الدراسات من أول القرآن الكريم إلى آخره، وسنقف مع هذه السورة الكريمة، سورة الحج، محاولين أن نتتبع الآيات التي اختلف فيها المفسرون، ثم -وهذه المهمة التي هي أكثر صعوبة- نحاول الترجيح بين هذه الأقوال على أنني لن أذكر الآيات التي للسلف فيها أقوال كثيرة، لكنها متقاربة تؤول إلى شيء واحد، كاختلافهم في معنى قوله سبحانه:{ثَانِيَ عِطْفِهِ} حيث ذهب بعضهم إلى أنه وصف بذلك لتكبره، وآخرون قالوا: لاويًا رقبته، وقال آخرون يعرض عما يُدعى إليه. إن هذه الأقوال كلها ترجع إلى معنى واحد، وهي كثيرة جدًّا وبخاصة عند ابن جرير وأمثاله -رحمهم الله تعالى- لذا لن أعرض لهذه الأقوال.