ثم يستمر الأستاذ في حديثه، ليأتينا بكل جديد على عادته. فالحجارة التي رمى بها قوم لوط، والحجارة التي رمه بها أبرهة، إنما هي نوع واحد. وقد لا نجد ابتكارًا وكبير استغراب في هذا، ولكن الذي يدعو إلى الدهشة أنه حينما يتعرض للشهب التي يرجم بها الشياطين حين استراقهم السمع، أعدت للمسرفين الظالمين إنسًا وجنًا. فهذه الحجارة إذن نوع أعده الله لكل عات، فكما أرسلت على قوم لوط وأصحاب الفيل فهي كذلك يرمى بها مسترقو السمع)، ويبرهن على هذا بأن الله قال:{أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ}[النمل: ٧] قال: فكلمة شهاب تعني جسمًا مظلمًا غير مشتعل، وإنما يكتسب اشتعاله عند اختراقه جو الأرض بسبب الاحتكاك، ولهذا وصف الشهاب بالرصد للمستمعين. أما الهاربون فقد وصف الشهاب لهم بأنه ثاقب ومبين. فكلمة قبس كانت ضرورية في قول الله:{أَوْ آتِيكُمْ بِشِهَابٍ قَبَسٍ} لأنه يريد أن يقول: شهابٌ من نارٍ، ولو قال شهاب فحسب، فإنه يفهم منه أنه ليس فيه نار).
سامح الله الأستاذ فيما ذهب إليه. واللغة التي يعول عليها في فهمه للقرآن تطرح قوله وتنبذه وترفضه وتلفظه، فهذا الراغب وهو من هو، كما حدث عنه الأستاذ في مقدمته، يعرف الشهاب بأنه شعلة من نار. ويقول صاحب (روح المعاني) إنه قد يكون قبسًا وقد لا يكون. والآيات بمجموعها لا تساعد مطلقًا على ما ذهب إليه.
إن حكمة الله تظهر في كلّ شيء، ولا يضيرها أن خفيت على بعض الناس، ولعل من أسرار الحكمة هنا أن الله جعل الحجارة من طين، لمن خلق من الطين، بينما جعل شهب النار لمن خلقوا من جنسها. ثم هناك تساؤل لا بد منه: إذا كان ما يرمى به الشياطين، هو نفسه ما رمى به قوم لوط وأصحاب الفيل، فلم يكون محرقًا للشيطان إحراقًا غير محرق لغيره؟ ؟ . ولم كانت تعبيرات القرآن بالشهاب تارة وبالحجارة تارة أخرى؟ ؟ لقد كان من الخير للأستاذ (حنفي)، أن لا يجنف عن