يقول الله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ}[النور: ٤٣].
يقول الأستاذ رشيد رشدي العابري رحمه الله:(لحصول المطر عوامل ثلاثة لا غيرها، إذا توافرت لها لا بد من نزول المطر وإن نقص عامل واحد منها فلا إمكان لحصوله. وتلك العوامل هي:
أ - التبخر حتى يؤدي إلى تكوين سحاب.
ب - وصول الهواء إلى درجة الإشباع بكمية البخار.
ج - التكاثف.
وهذا الترتيب على التعاقب لا مفر منه لتكوين المطر. ولكن الآية قد جاءت بوصف موجز مدهش للالباب، إذ عبرت بكلمة (يزجي سحابًا) عن عملية التبخر. ثم عبرت عن تشبع الهواء ببخار الماء، بقوله على سبيل التعاقب (ثم يؤلف بينه). إذ إن درجة الإشباع كما ذكرناها آنفًا، تتوقف على تساوي تبادل الجزئيات. ومن ناحية أخرى أنه لا يحصل التشبع إلا بالتعادل والتآلف، بين ضغطي بخار الماء وبخار الهواء، أو الاتحاد بين نوعي الكهربائية وائتلافها كما قد سبق بيانه. وعلى ذلك فإن أصدق وأصح وأبلغ تعبير لهذه الظاهرات، هو التأليف الذي وضفه العلم بالتشبع وليس لها تفسير آخر. ثم جاءت بقولها:(ثم يجعله ركامًا) على سبيل التعاقب أيضًا فأبلغ تعبير للتكاثف الذي هو الركام بأنه (سحاب كثيف). ويقصد بالسحاب الكثيف البخار، والذي قد تشبع الهواء به فتكاثف. ثم تقول الآية ... (فترى الودق) - أي المطر (يخرج من خلاله). فعندما بينت الآية العوامل الثلاثة لحصول المطر، فصلت بينها بكلمة (ثم) للترتيب والتراخي (لأن كلا من عوامل التبخر والتشبع والتكاثف التي ذكرناها آنفًا، يستغرق وقتًا مهما كان ضئيلًا، وبعدها