[المبحث الثاني: نشأة التفسير الموضوعي ومنهج البحث فيه.]
إذا كان هذا الاتجاه يبدو ظاهرًا أنه من مواليد هذا العصر، فإننا إذا أنعمنا النظر نجد في العصور السابقة أساسًا له، وأرى في قول رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو ينبه أصحابه حينما سألوه (أينا لم يظلم نفسه؟ ) وهم يقرأون قول الله تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٨٢)} [الأنعام: ٨٢] قال: (أما سمعتم قول العبد الصالح، {يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ}. أرى في هذا القول الكريم لفتة لضم آيات القرآن الكريم بعضها إلى بعض، حينما نريد فهمه وتفسيره، ولا نعْدم مثل هذا في آثار الصحابة - رضوان الله عليهم -.
وهذا ابن عباس -رضي الله عنهما - وقد سأله رجل فقال: أنّي أجد أشياء تختلف علي، فقد قال الله {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}[المؤمنون: ١٠١] وقال الله: {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}[الصافات: ٥٠] وقال الله: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}[النساء: ٤٢] وقال الله: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ}[الأنعام: ٢٣] فقد كتموا في هذه الآية .. فأجابه ابن عباس بقوله: قولُه {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} في النفخة الأولى، وقوله {فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ} في النفخة الثانية.
وإن الله يغفر لأهل الإخلاص ذنوبهم، عند ذلك يقول المشركون تعالوا نَقُلْ {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فيختم الله على أفواههم وتنطق أيديهم، عند ذلك يعرفونَ أن الله لا يكتم عنده حديث (١).
وقد جاء الأئمة بعد ذلك فألف كثير منهم في موضوعات خاصة كأقسام، ومجاز القرآن، وتشبيهات القرآن وغير ذلك، على أنه والحق يقال إنما نطلق على مثل هذه تفسيرًا موضوعيا تجوزًا، فبذرة التفسير الموضوعي إذن قديمة قدم نزول القرآن
(١) ذكره البخاري في كتاب التفسير - تفسير سورة السجدة.