ومن كثرة ما كتب عن البيان القرآني، ومع اختلاف الجهات التي تناولت منها الآيات الكريمة، فإن النص القرآني لا يزال جديدًا، ذلك لأن كل كلمة فيه، إنما جيء بها في مكانها الذي لا يجوز أن تحيد عنه، أو تغير منه، فكل كلمة إذن جاءت لحكمة بيانية وغرض نفسي، وكل كلمة كذلك، يمكن أن نتناولها من أكثر من ناحية.
[الكلمة القرآنية]
إنّ في القرآن كلمات قدمت حينًا وأخرت حينًا آخر، كل هذا يتسق مع الهدف الذى جاء القرآن من أجله في إعجازه، وإيقاظه للنفوس وتربيته للإنسان، عاطفة وعقلًا.
هذه مثلًا كلمة (الأموال) قدمت على الأنفس في آيات كثيرة مثل قوله تعالى: {وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ}[الصف: ١١]. وقوله تعالى:{وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ}[الأنفال: ٧٢] وهذه المواضع كلها تتحدث عن الجهاد من أول أمره. لكن حينما كان الحديث عن المعمعة والقتال الفعلي في ساحة الوغى، نرى (الأنفس) تقدم على (الأموال)، في مثل قول الله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ}[التوبة: ١١١].
ولقد قدم (المال) على (البنين)، مثل ما ورد في سورة الكهف {الْمَال وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الكهف: ٤٦]، وذلك لأن السياق يقتضي ذلك التقديم، بالإضافة إلى الجرس الصوتي والإيقاع اللفظي، فقد سبقت هذه الآية الكريمة، بقصة الرجلين اللذين جُعِل لأحدهما، جنتان من أعناب محفوفتان بنخل وبينهما زرع، فاغتر وطغى، بينما أخر المال حينما كان السياق يقتضي ذلك في مثل قول الله