وهذا التأويل فضلًا على أنه خالف فيه جميع المفسرين، إلا أن مخالفتهم قد تحتمل أحيانًا. ولكن الأدهى من ذلك أنه مخالف لعبارة الآية وسياقها، فالعبارة والسياق يشيران إلى حادثة مخصوصة، حادثة قتيل اختلف الناس فيمن قتله، فهُرعوا إلى موسى عليه السلام، كي يخرجهم مما هم فيه من حيرة، بهدى الله وإرشاده، فكان بينهم وبينه ما كان من سؤال عن البقرة وصفاتها. وأخيرًا قالوا:{الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ}[البقرة: ٧١] وذبحوا البقرة، وأحيا الله بقدرته هذا القتيل، ومثل هذا الإحياء يحيى الله الموتى وكل تأويل للآية يصرفها عن ظاهر لفظها مردود تأباه اللغة إفرادًا وتركيبًا. وما استؤنس به مما جاء في التوراة لا ينهض دليلًا، حتى تصرف الآيات إلى غير ظاهرها. وما استدل به من الآيات على تأويل الإحياء غير مسلم به، ذلك لأن كل كلمة من الآيات يمكن أن يحدد سياقُها المعنى المقصود. والخلاصة أن مسلك الإمام في تأويل هذه الآية، مسلك وعر فيه خطر على كثير من معاني القرآن.
وعند تفسير قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ}[البقرة: ٢٤٣]، يقول:(فمعنى موت أولئك القوم، هو أن العدو نكّل بهم، فأفنى قوتهم وأزال استقلال أمتهم، حتى صارت لا تعد أمة، بأن تفرق شملها، وذهبت جامعتها. فأكل من بقي من أفرادها خاضعين للغالبين ... ومعنى حياتهم هو عودة الاستقلال إليهم (١).
وهذا الذي قاله، وإن كان له أصل فيما نقله ابن كثير عن عطاء حيث نقل عنه أن هذا مَثَل، إلا أنه يعكس لنا بوضوح الأرضية التي يقف عليها، والقاعدة التي ينطلق منها في تفسيره رحمه الله.
[جـ- فكرة التطور في تفسير الشيخ]
لا يشك أحد في أن فكرة التطور، كانت وليدة بعض النظريات كنظرية داروين.