ولقد جعل هؤلاء التطور في كل شيء، فالإنسان لم يخلق هكذا، وإنما تطور في مراحل عديدة، حتى غدا إنسانًا عاقلًا منتصب القامة، وسلوكه الاجتماعي قد تطور كذلك، ومن ثم فعقائده الدينية مرت بمراحل كثيرة، حتى وصلت إلى ما هي عليه الآن.
ومفسرنا رحمه الله يظهر أنه استهوته فكرة التطور هذه، سواء أكان تطورًا في العقيدة أم في خلق الإنسان نفسه، فعبر عنها في مواضع كثيرة، فمثلًا ربط اختلاف رسالات الرسل وتعاقبها بتطور الإنسانية، فالإنسانية حسبما يرى حسية في زمن موسى، فكانت رسالة سيدنا موسى حسية. ثم تطورت من الحس إلى العاطفة، فكانت رسالة سيدنا عيسى عاطفية ثم تطورت من الحس والعاطفة إلى العقل، فكانت رسالة سيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم عقلية. يقول أستاذنا الدكتور عبد الحليم محمود:(ورأيي أن الإنسانية لم تتطور هذا التطور، وأن الإنسانية أينما سرنا، وعند أي فرد رأينا، وفي أي مجتمع شاهدنا، فإنما يتمثل فيها جوانب ثلاثة: الحس والعاطفة والعقل، ولكن فكرة التطور وأن الإنسانية متطورة، انتهت بأن أصبحت مسيطرة على الكثيرين، فانقادوا لها وأدخلوها في المحيط الديني، فأفسدت كثيرًا من القضايا (١).
وأقول: إن المتدبر للقرآن يتبين أن أصول دعوة الأنبياء واحدة، كما تنطق بذلك كثير من الآيات، ويتبين أن شبهات المعاندين، ابتداء من قوم نوح عليه السلام، إلى المعاندين في عهده صلى الله عليه وآله وسلم، تكاد تكون واحدة. مما يجعلنا نجزم بأنه لا وجود أبدًا لنظرية التطور في العقيدة، نعم قد يكون هناك اختلاف في الفروع يحتمله تعاقب الزمن، وإلا فكيف نفسر قوله تعالى:{وَلَقَدْ مَكَّنَّاهُمْ فِيمَا إِنْ مَكَّنَّاكُمْ فِيهِ وَجَعَلْنَا لَهُمْ سَمْعًا وَأَبْصَارًا وَأَفْئِدَةً}[الأحقاف: ٢٦].
كذلك عند تفسيره لقول الله عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ