للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فذكر الأعمال، ثم حكم لأهلها بأنهم من الصالحين. فأفادنا: أن الأعمال هي دلائل الصلاح، وأن الصلاح لا يكون إلا بها، ولا يستحقه إلا أهلها.

[تفاوت الصلاح]

ثم إن العباد يتفاوتون في درجات الصلاح على حسب تفاوتهم في الأعمال. ويكون لنا أن نقضي بتفاوتهم في الظاهر بحسب ما نشاهد. ولكن ليس لنا أن نقضي بين أهل الأعمال الصالحة في تفاوتهم عند الله في الباطن؛ فندعي أن هذا أعلى درجة في صلاحه عند الله تعالى من هذا؛ لأن الأعمال قسمان:

أعمال الجوارح، وأعمال القلوب، وهذه أصل لأعمال الجوارح.

وقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: "التقوى ههنا"، ويشير إلى صدره ثلاث مرات. فمنازل الصالحين عند ربهم لا يعلمها إلا الله.

(والأوابون) في قوله تعالى: {فَإِنَّهُ كَانَ لِلْأَوَّابِينَ غَفُورًا}. هم الكثيرو الرجوع إلى الله تعالى.

والأوبة في كلام العرب هي الرجوع، قال عبيد (١):

وكل ذي غيبة يؤوب ... وغائب الموت لا يؤوب

[التوبة وشروطها]

والتوبة، هي الرجوع عن الذنب ولا يكون إلا بالإقلاع عنه، واعتبر فيها الشرع الندم على ما فات، والعزم على عدم العود، وتدارك ما يمكن تداركه. فيظهر أن الأوبة أعم من التوبة: فتشمل من رجع إلى ربه تائبًا من ذنبه، ومن رجع إليه يسأله ويتضرع إليه أن يرزقه التوبة من الذنوب.


(١) هو عبيد بن الأبرص الأسدي شاعر جاهلي فحل. قال أيضًا في هذه البائية:
من يسأل الناس يحرموه ... وسائل الله لا يخيب
ساعد بأرض إن كنت فيها ... ولا تقل: إنني غريب

<<  <  ج: ص:  >  >>