ولقد تيسر لي أن أطلع على كلام في هذا الموضوع في (روح المعاني) من الخير أن أورد بعض الفقرات منه، وذلك عند قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ}[المجادلة: ٥] من سورة المجادلة، حيث يفسرها القاضي ناصر الدين البيضاوي بقوله:(يضعون أو يختارون حدودًا غير حدود الله تعالى ورسوله -صلى الله عليه وسلم-) فيقول صاحب روح المعاني (قال المولى شيخ الإسلام سعد الله جلبي: وعلى هذا ففيه وعيد عظيم للملوك وأمراء السوء الذين وضعوا أمورًا خلاف ما حده الشرع وسموها (اليسا والقانون)، والله تعالى المستعان على ما يصفون، وقال شهاب الدين الخفاجي بعد نقله وقد صنف العارف بالله الشيخ بهاء الدين قدس الله تعالى روحه، رسالة في كفر من يقول: يعمل بالقانون والشرع إذا قابل بينهما، وقد قال الله تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} وقد وصل الدين إلى مرتبة الكمال فلا يقبل التكميل. وإذا جاء نهر الله بطل نهر معقل. ولكن أين من يعقل؟ (وليتني رأيت هذه الرسالة، ووقفت على ما فيها فإن إطلاق القول بالكفر مشكل عندي. نعم لا شك في كفر من يستحسن القانون، ويفضله على الشرع، ويقول هو أوفق بالحكمة وأصلح للأمة، ويتميز غيظًا ويتقصف غضبًا، إذا قيل له في أمر: أمر الشرع فيه كذا، كما شاهدنا ذلك في بعض من خذلهم الله، فأصمهم وأعمى أبصارهم. وهذا القانون الذي ذكروه، قد نقصت منه اليوم أمور، وزيدت فيه أمور، وسمى بالأصول). ثم يبين صاحب روح المعاني (أن ما جاء في هذه القوانين من المسائل الحربية والإدارية، كتنظيم الجيوش وجزاء بعض الجنايات، مما لم يرد به نص، فلا بأس أن نجتهد فيه. أما ما ورد فيه نص كالحدود والمعاملات والعقود وحقوق بيت المال، فإن مخالفة الشرع فيه كفر، ويصدق عليه قول البيضاوي. وقصارى القول أن ما خالف الشرع مردود كائنًا ما كان).