إنّ عدم الاستطراد من أعظم ميزات هذا التفسير، فإن القارئ له لا يشعر أبدًا، أنه خرج من جو التفسير إلى جو آخر، كما نجد ذلك في كثير من التفاسير، وجميل للأستاذين يعترف به كل قارئ أنهما يحيلان إذا اقتضى الأمر، على العلوم الخاصة بالبحث المتحدث عنه، فعند تفسيرهما لـ (بسم الله الرحمن الرحيم) لا يستطردان في ذكر التفريعات الفقهية واختلاف المذاهب، بل يحيلان القارئ على كتب الفقه وكذلك عند معنى الختم على القلوب، يحيلان القارئ على كتب علم الكلام، وبهذا لا يخرجان عن صلب التفسير ودائرته.
هذه أهم مميزات المنهج القويم، نجدها قد توفرت لهذا التفسير، ولا بد من استعراض بعض النماذج حتى نتبين هذه الخصائص عن كثب.
[نماذج من التفسير]
[١ - من سورة الفاتحة]
(والمراد بقوله تعالى {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} أي: ثبتنا عليه، واجعلنا من المداومين على السير في سبيله، فإن العبد مفتقر إلى الله في كل وقت لكي يثبته على الهداية، ويزيده منها ويعينه عليها، وقد أمر سبحانه وتعالى المؤمنين أن يقولوا {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ}[آل عمران: ٨] وجملة {صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} بدل من الصراط المستقيم.
ولم يقل (اهدنا صراط الذين أنعمت عليهم) مستغنيًا عن ذكر الصراط المستقيم، ليدل على أن صراط هؤلاء المنعم عليهم هو الصراط المستقيم.
وقال:{صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، ولم يقل صراط الأنبياء أو الصالحين؛ ليدل على أن الدين في ذاته نعمة عظيمة، ويكفي للدلالة على عظمتها إسنادها إليه تعالى في قوله {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ}، لأن المراد بالإنعام هنا - على الراجح - الإنعام