للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ليس منها سماويًا. ومن هذا القبيل ما يعلق به الدكتور سيّد أحمد خليل على عبارة المسعودي من أن زرادشت لما أتى (بالأفستا) لم يفهمها كثير من الناس، فاضطر إلى شرحها هو بكتاب سماه (زندا)، ثم شرح هذا الشرح بكتاب سماه (بازندا).

يقول الدكتور سيّد أحمد خليل تعليقًا على هذا. وهذا العمل نفسه من جانب زرادشت صاحب الأفستا قوي الشبة بالعمل الذي قام به الرسول في تفسير بعض الآيات القرآنية (١).

وهذا تشبيه غير مهذّب، إذْ ليس ثَمّ شبه بينهما، فالأفستا لم يفهمها كثير من الناس مما اضطر زرادشت إلى شرحها ثم شرح هذا الشرح، فأين هذا من القرآن الكريم الذي تأثر به حتى أولئك الذين أصروا على الكفر؟ فعلى الرغم من مطاعنهم، فإن التاريخ لم ينقل لنا عن أحد منهم أن هذا القرآن عمّي عليهم فهمه، وسدت دون قلوبهم مسالكه، ثم أين هذا الشبه كذلك بما قام به النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو يوجه أصحابه لفهم القرآن من القرآن نفسه، وبين ما قام به زرادشت من شرح وشرح لذلك الشرح؟

إن ما قاله المسعودي لدليل واضح وبرهان ساطع على البون الشاسع والفرق البعيد بين الأفستا وما قام به صاحبها وبين القرآن المنزل من عند الله كما قال عنه منزله {قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} [الزمر: ٢٨].

إن القرآن الكريم كتاب عربي، يسره منزله للذكر ليدبروا آياته. وإذًا فهذه المقارنة باطلة ذاتًا وموضوعًا. وإن نشأة التفسير الأثري، وعدم اتساع دائرته، يرجع أول ما يرجع إلى وضوح المعنى القرآني، ويسر لفظه من جهة، والى كونه كتابًا سماويًا يحتاج فيه إلى بيان بعض ألفاظ مبهمة من جهة أخرى.

[منكرو التفسير الأثري ومناقشتهم]

إذا كنا قد وجدنا من يوسع دائرة التفسير بالمأثور، فيدخل فيها الغث والسمين،


(١) نشأة التفسير في الكتب المقدسة والقرآن/ ص ٣٢ - الطبعة الأولى.

<<  <  ج: ص:  >  >>