عبد القاهر بيده، فإنها حظيت بخلاصة أفكاره والتطبيق العملي لنظرياته التي خطها يراعه، وجلاها فكره، أقول حظيت المكتبة القرآنية بذلك ممثلًا في تفسير الكشاف.
[استدراكات على الزمخشري]
وإذا كنا نحمد للرجل صنيعه ونشكر له جهده، فإن هذا لا يمنعنا - وقد سجلنا له كثيرًا مما برع فيه - أن نسجل عليه بعض المآخذ والكبوات، لقد كان الزمخشري يرى أن بعض القرآن أبلغ من بعض، محاكيًا بذلك من سبقه من العلماء وبخاصة المعتزلة، فنراه يطبق هذا في تفسيره. فها هو عند تفسير قول الله تعالى:{وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ}[يونس: ١٠٧] يرى أنه أبلغ من قوله تعالى: {قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ}[الزمر: ٣٨]. ويقول عند قول الله تعالى:{وَيَاقَوْمِ اعْمَلُوا عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنِّي عَامِلٌ سَوْفَ تَعْلَمُونَ}[هود: ٩٣] حيث يرى أن الأبلغ ترك الفاء مع أن كلتيهما من باب التفنن في البلاغة، وإذا كان هناك عجب، فعجب من قوله. وهو الذي روى عنه قوله:
حيث شبه نفسه بالميم وشبه الأيام برجل أفلح أعلم أي مشقوق الشفتين، وهو الذي لا يستطيع النطق بالميم، فتلك الأيام لن تجود بمثله أي الزمخشري.
لقد كنا نود أن يغوص الزمخشري في أعماق بلاغة الآية، وأن يلم بها من جميع أطرافها، ليصدر عن حكم سوي، وحكمة وروي، في مضمار له في اليد والمنزلة. وأنا وإن كنت لست مع أصحاب حلبة هذا السباق، لكنني أفهم غير ما فهمه من السياق. أما الآية الأولى فلا أدري كيف غاب عن الزمخشري أنها جاءت بأسلوب