للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[المبحث الخامس مدرسة الشيخ محمد عبده وأثرها في الاتجاه البياني]

قلنا: إن الشيخ محمد عبده، كان فاتحة عصر جديد في التفسير، ومع أن الرجل وجه عنايته إلى تجلية الهداية القرآنية، لأنه كان يعدّ القرآن كتاب هداية قبل كل شيء -وهذا لم يرض الشيخ أمين الخولي وسأعرض لهذه المسألة فيما بعد إن شاء الله- إلا أن لتفسيره رجال مدرسته من بعده أثرًا لا ينكر في الاتجاه البياني، والنهضة البلاغية وقد امتد إلى غيرهم من الباحثين الذين عُنوا بهذه الدراسات فيما بعد. فلقد كان من أهداف الشيخ محمد عبده الأولى الإصلاح اللغوي، سواء كان هذا في دواوين الحكومة والمخاطبات العامة، ويتجلى لنا ذلك واضحًا في أقواله، التي سنعرض لها عند التحدث عنه في الباب الثاني إن شاء الله. كما يتجلى ذلك فيما كتبه الشيخ رشيد، داعيًا فيه إلى طرح المنهج القديم في الدراسات البلاغية، والرجوع إلى منابعها الأولى البعيدة عن التعقيد والمماحكات والاعتراضات. وهذا بالطبع إنما هو تقرير لآراء الإمام في هذه المسألة.

يقول: (فمن لم يقرأ من كتب البلاغة إلا مثل السمرقندية، وشرحي جوهر الفنون، وعقود الجمان، فشرحي التلخيص للسعد التفتازاني وحواشيهما، لا يرجى أن يذوق للبلاغة طعمًا، أو يقيم للبيان وزنًا، وإنما يرجي هذا الذوق، لمن يقرأ أسرار البلاغة ودلائل الإعجاز للإمام عبد القاهر، فإنهما هما الكتابان اللذان يحيلانك في قوانين البلاغة على وجدانك، وما تجد من أثر الكلام في قلبك وجنانك. فترى أن علمي البيان شعبة من علم النفس، وأن قواعدهما يشهد لهما الشعور والحس. ولكن لا بد مع ذلك من قراءة كثير من منظوم الكلام البليغ ومنثوره. واستظهار بعضه مع بعض، مع فهمه كما قرر حكيمنا ابن خلدون في الكلام على علم البيان من مقدمته) (١).


(١) تفسير المنار جـ ١ ص ٢٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>