كغيره أن ذا القرنين ليس الإسكندر المكدوني، وإنما هو يماني حميري معللًا ذلك.
وهذا الرأي نجده مفصلًا في تفسير النيسابوري، الذي كان اختصارًا لمفاتح الغيب للرازي، إلا أن الذي يعجبنا في كلام الشيخ هنا، والذي ينبغي أن ينوه به، لرد الحملات الشديدة على الشيخ، تعليقه على قصة ذي القرنين، لمعرفة أنه لم يخرج بتفسيره هذا، ليثبت أن القرآن كتاب علوم وتاريخ، لا بل هو يراه كما يراه علماء الإسلام، كتاب هداية، فليس تفسير الشيخ بدعًا من التفاسير من هذه الناحية، كما يحلو لبعضهم أن يصفه من بعيد، دون أن يكلف نفسه عناء الإطلاع على كتاب الشيخ وصراحته في مثل هذه المواقف.
استمع إليه يقول:(لا يهم القرآن أي ذي القرنين هو المقصود المقدوني أو الحميري، فليست هذه من العقائد، وإنما هي نصائح تتلى للموعظة الحسنة، وليس القرآن جاءنا ليعلمنا تاريخ اليونان أو تاريخ الحميريين، القرآن أكبر من التاريخ العام ومن جميع العلوم ... ولن نماري في هذه القصة إلا مراءً ظاهرًا، ولن نستفتي فيها أحدًا من المؤرخين، فالقرآن لم يكن للتاريخ بل للعظة والاعتبار)(١).
[ز - الشيخ ومبهمات القرآن]
نرى الشيخ في كثير من المواضع يحاول جاهدًا ألا يخرج عن الحد الذي رسمه القرآن في أمر المبهمات، ولا ليته سلك هذه الطريقة في جميع تفسيره، فها هو عند قوله تعالى في قصة آدم:{وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ}[البقرة: ٣٥] يقول: (ونهى عن الاقتراب من شجرة لا يهم تعيينها للناس).
وعند تفسيره لقوله تعالى:{قَال الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ}[النمل: ٤٠] يقول: (هو الذي صفت نفسه من ظلمات الأرض، وتباعد عن الكبر والحسد والظلم ... الخ، سواء كان جبريل أو آصف أو سليمان نفسه، وسواء دعا بهذا الدعاء أو ذاك،