وبعد ابن جرير بدأ العلماء يتوسعون في دلالات الألفاظ القرآنية، وفي ما تلقيه هذه الألفاظ من ظلال. فكانت هناك اتجاهات ومدارس متعددة في التفسير، وأهمها المدرسة البيانية. وكان أساتذتها بادي بدء من المعتزلة، ولكن أهل السنة استلموا زمامها فيما بعد، وذلك بفضل ابن قتيبة صاحب (تأويل مشكل القرآن) وأبي بكر الباقلاني، وعبد القاهر الجرجاني، إلا أن هذا لم يحل دون تربع الزمخشري المعتزليّ على كرسي الأستاذية لتلك المدرسة، والكشاف خير شاهد على ذلك، فلقد كان الإمام في تجلية البيان القرآني وللكشاف تلاميذ نهلوا من مورده. ومن أشهر هؤلاء البيضاوي والنسفي وأبو السعود. وهؤلاء، وإن خالفوا الكشاف في عقيدة الاعتزال، فإن من الأنصاف أن نسجل أنهم لم يتأثروا به فحسب، بل لقد كانوا عالة على عباراته، مع أنهم تفاوتوا في سبك تلك العبارة وتدبيجها أو اختصارها وضغطها.
ولا نعدو الحقيقة إذا قررنا أنه ليس هناك مفسّر بعد الزمخشري، إلا وللزمخشري عليه فضل، مع تفاوتهم فيما أفادوه من هذا التفسير العظيم، وما نقلوه عن هذا الإمام الفاضل، ولا يحط من قيمته تلك الحملات التي تعرض لها الزمخشري وكشافه.
[٢ - المدرسة الفقهية]
ظهرت بعض التآليف والتصانيف التي عني أصحابها بتجريد آيات الأحكام على حدة، وبيان ما فيها من اختلافات الفقهاء، وبعضهم فسر الآيات القرآنية كلها، لكن كانت له عناية خاصة بآيات الأحكام، ويمثل هذا اللون كتب أحكام القرآن التي تعددت بتعدد المذاهب، (مثل أحكام القرآن) للإمام الشافعي و (أحكام القرآن)