[٤ - ابتعاده عن الخرافات والإسرائيليات ووقوعه فيما هو أخطر منها]
ليس غريبًا موقف الشيخ من الإسرائيليات ومحاربته لها، فالذين تأثر بهم الشيخ كابن تيمية وابن القيم، وابن كثير وابن خلدون والشيخ محمد عبده، ومن قبل ذلك رجاحة عقله ودقة حكمة على الأمور، كل هؤلاء العلماء عقدوا ألوية لمحاربة الخرافات والإسرائيليات، وجردوا لذلك أقلامهم وحججهم من المعقول والمنقول، لكن رشيدًا كان أكثرهم عنفًا، وأقواهم شكيمة، لذا نجده لا يدع فرصة تمر إلا وينبه فيها على هذه الإسرائيليات وخطرها، والحق أنه كان لها أعظم الخطر، وأسوأ الأثر على المسلمين، بانصرافهم إليها، وعلى الإسلام بقصد تلويث نبعه الصافي، وهي تكثر في قصص الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، وبخاصة قصة موسى عليه الصلاة والسلام.
لقد سكت القرآن عن كل ما ليس فيه عبرة للمسلمين، فلم يبين مثلًا كيفية فرق البحر لموسى، ولا بعض البقرة الذي ضرب به الميت، ولا عدد الألواح التي أخذها موسى، ولا أنواع الطعام التي أنزلت في المائدة على عيسى عليه السلام، ولا وسيلة إغواء إبليس لآدم، ولا هوية الذي أراه الله آياته فانسلخ منها، ولا مقدار الثمن الذي بيع به يوسف، ولا مدة طوفان نوح ونوع سفينته وحجمها، إلى غير ذلك من المسائل الكثيرة التي أجملها القرآن، والتي كثرت حولها الإسرائيليات، والأساطير، وتسربت فيما بعد إلى كثير من كتب التفسير. وجاء صاحب المنار ينبه المسلمين بقوة على وجوب طرح هذه الخرافات وتنقية التفسير منها، لأنها حجاب كثيف يحول بين المسلمين وبين هداية القرآن وحججه الواضحة، ولو أنه وقف عند هذه لأسدى إلى المسلمين خدمات عظيمة جليلة، ولكنه مع الأسف غالى وتطرف وهدم بقدر ما بنى، ودمر أكثر مما جنى، وكان لمغالاته وتطرفه نتائج خطيرة، تكاد تعصف ريحها الصرصر العاتية بقواعد من أصول العقيدة، وأهم هذه النتائج، الطعن في أحاديث أجمعت الأمة على صحتها، والتشكيك في عدالة الصحابة واتهامهم