(وأدمْ قراءة القرآن، وفهم أوامره ونواهيه، ومواعظه وعبره كما كان يُتلى على المؤمنين أيام الوحي، وحاذرْ النظر إلى وجوه التفاسير إلا لفهم لفظ غاب عنك مراد العرب منه أو ارتباط مفرد بآخر خَفَي عليك متصله، ثم اذهب إلى ما يشخصك القرآن إليه، واحمل نفسك على ما يحمل عليه) انتهى.
ولا شك أن من أخذ بهذه الطريقة سيجد أثرها بعد حين في نفسه مَلَكَةً تجعل الفهم من سجيته، ونورًا يستضيء به في دنياه وآخرته إن شاء الله تعالى (١).
وبعد الحديث عن مقدمة الشيخ البنا رحمه الله، وما تضمنته من إشارة إلى منهجه في التفسير، نورد فيما يلي أهم معالم منهجه مشفوعة بنماذج وأمثلة من تفسيره رحمه الله:
١ - حرصُه على ربط الآيات القرآنية بالواقع المعاش: ويتجلَّى هذا المعلم في تفسير الشيخ كلِّه رحمة الله عليه؛ لأنه تفسير رجل نذر نفسه لهذا الدين، ووهب له كلَّ جهده ووقته دعوة وإرشادًا، وتربية وتوجيهًا، فلا جرم أن يكون تفسيره نابعًا من واقع نفسه، وواقع مجتمعه الذي يعيش فيه، وأن يستلهم من القرآن كلَّ دواء وعلاج للمشكلات والآفات النفسية والاجتماعية والسياسية والثقافية، التي يواجهها مواجهة حقيقية، وينفعل معها انفعالًا واقعيًا. ولذلك كان تفسير الشيخ البنا رحمه الله تفسيرًا مميزًا يحمل طابعه الإيماني، وهمته الوثَّابة إلى إرشاد الناس، وروحه التواقة إلى استنقاذهم من مهاوي الرَّدى! .
وقد يُدرك القاري لما تَقَدَّم من تفسير الشيخ هذه الصفة في منهجه، ونزيده مع ذلك نماذج أخرى ممتعة ومقنعة:
١ - فسَّر الشيخ البنا رحمه الله قوله تعالى:{وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ ... } إلى قوله {وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ}[البقرة: ١٥٥ - ١٥٧] تفسيرًا بديعًا جميلًا.
(١) مجلة الشهاب - السنة الأولى - العدد ١ في غرة المحرم ١٣٦٧ هـ / ١٤ نوفمبر ١٩٤٧ م.