وها نحن نرى أنه قد جندت مواهب أفسدها التعصب، وعقول لعب بها الهوى، وأفئدة ملأها الحقد، وأقلام أغرت أصحابها المطامع، جندت كل هذه لتنال من القرآن، فرأينا قديمًا من يريد أن ينال من أسلوب القرآن، وعقائده، وأحكامه، والتاريخ يعيد نفسه. وفي هذا العصر الذي هجمت فيه ثقافة الغرب، رأينا هذه الأقلام تنبعث من جديد، لا لتنال من أحكام القرآن وتشريعاته فحسب، ولكن من لغة القرآن وأسلوبه وقصصه كذلك.
[المبحث الأول أسباب التفسيرات المنحرفة: الاستشراق والاستغراب]
[١ - المستشرقون]
ربما يتساءل بعض الناس لماذا ذكرت المستغربين، ولم أذكر المستشرقين، مع أن التراث الإسلامي، والفكر الإسلامي، عانى كثيرًا من أولئك المستشرقين، ومع أننا -والحق يقال- لا ننكر ما لهم من إيجابيات، إلا أن هذه الإيجابيات كادت تغطيها هذه السلبيات الكثيرة، ولقد حفلت المكتبة الإسلامية بالحديث عن المستشرقين ما لهم وما عليهم، ليس في التفسير وحده، بل في فروع المعرفة الإسلامية وما أكثرها، ولا ننسى مذاهب التفسير الإسلامي لجولد زيهر، وسيمر معنا إن شاء الله الحديث عن بعض هؤلاء المستشرقين وكتبهم.
أما هذا الفصل فحديثي فيه عن المستغربين الذين كانوا يفكرون بعقول بعيدة عن بيئتهم وتراثهم، والله نسأل أن يقينا شر المستغربين والمستشرقين، فهما وجهان لعملة واحدة، وقد يكون أثر هؤلاء المستغربين أكثر ضررًا من آثار المستشرقين، لأن المستشرقين والحق يقال كانت لبعضهم جهود في البحث لا ينبغي أن تنكر، أما المستغربون فهم إنما يعزفون لحون غيرهم دون أن يكون لهم جهد يذكر ولا حول ولا قوة إلا بالله.