الفَصْلُ الرَّابِع تذوق القرآن الكريم وفهمه لا بدّ له من التعمق في العربية
لقد أثّر القرآن الكريم في العرب حينما سمعوه -على الرغم من أنّ كثرهم لم يكونوا مؤمنين به- لكون العربيّة سجيّةً من سجاياهم، وكلما كان الإنسان ذا بصيرةٍ في اللغة كان أكثر قدرةً على فهم القرآن وتذوّق حلاوته، وهذه حقيقة لا يختلف فيها اثنان، لذا وجدنا أن كثيرًا من غير المسلمين من ذوي المعرفة بالعربية كانوا يقرّون دائمًا بأنّ علوّ أساليبهم وقوّة عارضتهم في اللغة وعظيم فصاحتهم يرجع إلى تأدّبهم بالقرآن الكريم. أمّا من كانت بضاعته في اللغة مُزْجاة فليس له من فهم القرآن الكريم إلّا حفظ الروايات ونقل الأقوال عن أصحابها.
يقول صاحب المنار (١) لا يتعظ الإنسان بالقرآن، فتطمئن نفسه بوعده، وتخضع لوعيده، إلا إذا عرف معانيه، وذاق حلاوة أساليبه، ولا يأتي هذا إلا بمزاولة الكلام العربي البليغ، مع النظر في بعض النحو كنحو ابن هشام وبعض فنون البلاغة كبلاغة عبد القاهر، وبعد ذلك يكون له ذوق في فهم اللغة يؤهله لفهم القرآن، قال الإمام أبو بكر الباقلاني -من زعم أنه يمكنه أن يفهم شيئًا من بلاغة القرآن، دون أن يمارس البلاغة بنفسه فهو كاذب مبطل".
يقول صاحب الكشاف عند قوله تعالى:{قَالوا يَاشُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا}[هود: ٩١].
" {فِينَا ضَعِيفًا} لا قوة لك ولا عزة فيما بيننا .. وعن الحسن "ضعيفًا" مهينًا، وقيل "ضعيفًا" أعمى. وحمير تسمي المكفوف ضعيفًا كما يسمّى ضريرًا، وليس بسديد، لأن "فينا" يأباه. ألا ترى أنه لو قيل إنا لنراك فينا أعمى لم يكن كلامًا؛ لأن