للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فرق بين الواو والقسم الصريح من غير هذه الجهة. جهة القسم، وإنما من حيث المقسم عليه أو من حيث الغرض النفسي الذي يقصده المتكلم؛ فالله تبارك وتعالى مثلًا أقسم باليوم الموعود، تارة بالواو وتارة بالقسم الصريح وكذلك بمكة فقال {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ} وقال {لَا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ} وقال {وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ} وقال: {لَا أُقْسِمُ بِهَذَا الْبَلَدِ} كل هذه أقسام.

بقي أن يتلمس البيانيون الحكمة التي جاء من أجلها القسم تارة بالواو وأخرى بغيرها، أما أن نذهب بالواو غير هذا المذهب فذلك لا يُسعف عليه النص بل هو اعتساف وتكلف.

وما ذهبت إليه من أن القسم بالواو لا بد أن يكون أمرًا محسوسًا، ومن هنا لا يمكن أن يراد بالنازعات الملائكة لأنهم كانوا لا يؤمنون بملائكة تنزع الأرواح ولو كانوا يؤمنون بها لآمنوا بالبعث، فهذا ما لا نرضاه من الكاتبة؛ ذلك لأن القوم كانوا يؤمنون بالملائكة، بل منهم من كان يعبدها، ولقد سجل القرآن هذا في أكثر من آية {وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ ... إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ} [الزخرف: ١٩ - ٢٠].

ولئن أمكن أن نفسر النازعات بالخيل فإن كثيرًا من الأقسام بالواو لا يمكن أن نفسره بالمحسوس -كما قلنا من قبل- قال تعالى: {وَالْيَوْمِ الْمَوْعُودِ (٢) وَشَاهِدٍ وَمَشْهُودٍ} {وَالصَّافَّاتِ صَفًّا} {فَالْمُلْقِيَاتِ ذِكْرًا}.

تلك بعض الملحوظات أحببت أن أسجلها هنا، ولا يظننّ أحد أنني أريد أن أقلل أو أوهن أو أهون مما قامت به الكاتبة فمعاذ الله أن نكونَ من الجاحدين وللمجتهد نصيب إن أخطأ. كل الذي لا نقره، ولا نرضاه أن نتنكر لجهود السابقين وأن نصفهم بما لا يليق بنا وبهم وليس معنى هذا أن نوافقهم في كل ما قالوه فكلٌّ منا يؤخذ منه ويردّ عليه إلا الذي لا ينطق عن الهوى.

جزى الله الكاتبة خيرًا وعفا عن زلاتها وزلاتنا وهو حسبنا ونعم الوكيل.

وأكتفي بذكر هذه النماذج التي تثبت لنا أنّ مخالفة المفسّرين أمرٌ له عدّته وضوابطه، ولا يجوز أن تكون بالتشهّي أو لدافع شخصيّ أو طلبًا للشهرة.

<<  <  ج: ص:  >  >>