وكذلك عند تفسير الرجز في قول الله عز وجل:{فَأَنْزَلْنَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزًا مِنَ السَّمَاءِ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ}[البقرة: ٥٩] يقول: (ونسكت عن تعيين نوع ذلك الرجز، كما هو شأننا في كل ما أورده القرآن - وقال المفسر - يعني به الجلال - وغيره: إنه الطاعون، واحتج بعضهم عليه بقوله تعالى (من السماء) - وهو كما تراه - والرجز هو العذاب وكل نوع منه رجز. وقد ابتلى الله بني إسرائيل بالطاعون غير مرة، وابتلاهم بضروب أخرى من النقم، في إثر كل ضرب من ضروب ظلمهم وفسوقهم. ومن أشد ذلك تسليط الأمم عليهم، وحسبنا ما جاء في القرآن عبرة وتبصرة فنعين ما عينه ونبهم ما أبهمه {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ}[البقرة: ٢١٦](١).
وهكذا نجد الأستاذ الإمام بهذا المنهج الحكيم يجلي العبارة القرآنية ويوصد أبوابًا طالما دخل منها إلى التفسير ما يشوهه من الأساطير والخرافات.
[٤ - محاربته الإسرائيليات]
وما دمنا قد عرضنا لرأي الأستاذ في مبهمات القرآن، فلا بد أن نعرض لموقفه من الإسرائيليات، وهو الذي عرف عنه حرصه وعمله الجاد على تنقية جو التفسير من هذه الإسرائيليات، وأكتفي هنا بنقل تلك العبارة الجامعة، التي تظهر بحق عظمة ذلك الرجل، لا من حيثُ موقفه من هذه الإسرائيليات فحسب، ولكن من حيث موقفه من المفسرين الذين نقلوا في كتبهم مثل هذه الأشياء. يقول: (وقد قلت لكم غير مرة، إنه يجب الاحتراس في قصص بني إسرائيل وغيرهم من الأنبياء، وعدم الثقة بما زاد على القرآن من أقوال المفسرين والمؤرخين، فالمشتغلون بتحرير التاريخ والعلم اليوم يقولون معنا إنه لا يوثق بشيء من تاريخ تلك الأزمنة التي يسمونها أزمنة الظلمات، إلا بعد التحرّي والبحث واستخراج الآثار. فنحن نعذر المفسرين الذين حشوا كتب التفسير بالقصص التي لا يوثق بها